خوضه للممارسة السياسية كان بحساب، جاءت على قدر علمه، رجل قانونى تعلم أن يزن كلماته وتصرفاته، لتخرج تصريحاته أشبه بمواد القانون، لا يستطيع أحد أن يشكك فى أمر فيها، ولا مجال للثغرات التى قد تُخِلّ بكفتى الميزان، فهو من تقلد منصب عميد كلية الحقوق بجامعة المنوفية وهو فى منتصف العقد الرابع من عمره، ثم دخل «لعبة السياسة» بقرار رئاسى ليصبح الدكتور محمد محسوب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية، ليرث بذلك منصب الدكتور مفيد شهاب، أحد رجال الحكم البارزين فى عهد مبارك، وهو من القلة التى لم تلحقهم المحاكمات القانونية، ميزته وحصنته من الدخول فى دائرة الشبهات. يقترب «محسوب» من سابقه فى الخطوات القانونية لكنه يتميز بروح ثائرة فيشارك مع كثيرين فى لجنة استرداد أموال مصر المنهوبة فى الخارج، يعقد المؤتمرات ويتقدم بالمستندات ويسعى بحرفية فى البلوغ لهدفه، ومن دولة لأخرى يطير بحلمه فى أن تسترد مصر ما ضاع منها عنوة، لكن حلمه يتعطل ويتبدل بآخر، فكونه رئيس لجنة صياغة الدستور استحوذ على تفكيره، فصار شغله الشاغل لدرجة دفعته أن يعرض مسودة الدستور على المواطنين قبل الانتهاء منها، وهو ما أثار غضب عدد ممن شاركوا فى وضع الدستور، فينقذه من ذلك كون المسودة مدوناً عليها «مسودة مرحلية تحت التعديل والتصحيح». يتصدر محسوب المشهد السياسى بأكثر من واقعة، فتارة لاسترداد الأموال المنهوبة فى الخارج وأخرى لوضع الدستور وصياغته، وثالثة وهى الأكثر جدلاً فى صفقة التسويات التى بدأتها الحكومة مع نجلى الرئيس السابق، وهو أمر منطقى فجميعها قضايا تتحرك على أسس قانونية، والمرجعية هنا لمحسوب وحده، فيأتيه تكليف خاص من رئاسة الجمهورية لإدارة الصفقة بالتفاوض مع المهندس أحمد عز، أحد قيادات الحزب الوطنى «المنحل»، وأحد رموز الفساد فى العهد البائد، ليتفاوض الأول مع الثانى على التسوية والتصالح فى عدد من القضايا، وعلى رأسها قضية «حديد عز» فى مقابل سداد 5 مليارات دولار للدولة، إلا أن «محسوب» فى تلك المرة خرج ينفى دوره فى «التسويات»، وانتابته حالة من الغضب، دفعته للتقدم بشكوى للدكتور أحمد فهمى رئيس المجلس الأعلى للصحافة بالتحقيق فيما نُشر، يصطدم نفيه بتصريح آخر لأسامة صالح وزير الاستثمار، يؤكد فيه ما تردد عن ملف التسويات مع رموز النظام البائد، ويشيد بجدية الدكتور هشام قنديل، رئيس مجلس الوزراء، فى اهتمامه بهذه التفاوضات لدرجة جعلته يقوم بتشكيل لجنة خاصة لإدارة الملف، «محسوب» رجل القانون الأول فى حكومة قنديل يغضب ويثور، ويحاول أبعاد الأمر عنه ونفيه تماماً، و«صالح» أحد وزراء نفس الحكومة يؤكد ويكشف عن تشكيل لجنة لمتابعة التفاوضات، فيضع محسوب بقانونيته المعهودة فى مأزق كبير بحاجة إلى ثغرة قانونية للخروج منه.