قَطب الشاعر الحداثى جبينه حزيناً؛ فقد كتب شعراً كثيراً لم يقرأه أحد فى الوقت الذى يحفظ فيه الناس آلاف الأبيات للمتنبى وشوقى وحافظ رغم موت بعضهم منذ مئات السنين: «يبدو أن الشهرة لن تأتينى عبر الشعر».. هكذا حدث نفسه بألم وأسى. كتب عدة مقالات سبّ فيها «البخارى» بغير علم رغم أنه لم يقرأ صحيح البخارى كله ولا مرة واحدة. التفت الناس إليه؛ سعد لذلك وانتشى بعد طول يأس.. انتقل منه إلى شتم عمرو بن العاص، نسب إليه حرق مكتبة الإسكندرية، بل نسب إلى الأمة أنها أمة حرق الكتب.. استخدم أسلوب «لا تقربوا الصلاة» دون أن يكملها.. نام قرير العين بعد هذه النجاحات المدوية على هؤلاء الموتى. جاءه عمرو بن العاص فى نومه معاتباً: كيف تظلمنى وأنا سر إسلامك ونطقك للعربية؟! ألم تقرأ أن دائرة المعارف البريطانية رمتنى بذلك فى طبعتها ال11 ثم صوبت هذا الأمر وحذفته فى الطبعة ال14 بعد أن تحققت من كذب هذا الخبر؟ ألم تقرأ أهم كتابين عن فتح مصر، أحدهما لابن عبدالحكم ولن أتكلم عنه، والآخر لألفريد بتلر «فتح العرب لمصر».. والرجل الأوروبى أنصفنى وذكر مآثرى ولم يقل ما قلت، بل ذكر حقيقة أن مكتبة الإسكندرية لم تكن موجودة أصلاً حينما جئت إلى مصر بجيشى، فقد حرقها دون قصد يوليوس قيصر الإمبراطور الرومانى حينما جاء لمصر لفك النزاع بين كليوباترا وشقيقها بطليموس الصغير، وكان داعماً لكليوباترا، وخاف من انضمام السفن فى الميناء إلى بطليموس الذى حاصره مع كليوباترا فأمر بحرق السفن فأحرقت المكتبة معها.. فهل وصل الكذب علىَّ إلى أن تدعى فعل ذلك والمكتبة حرقت عام 48 ق. م، وأنا لم أكن قد ولدت بعد؟! ألا تعلم أننى الذى أعطيت قبلة الحياة لأقباط مصر وللمذهب الأرثوذكسى بعد أن فرض هرقل الرومانى إلزام ولايات الدولة الرومانية ومنها مصر بالمذهب الكاثوليكى جبراً وقهراً. ألم تعلم أن الرومان كانوا يلقون أقباط مصر فى الزيت المغلى، وقتلوا متياس شقيق البابا بنيامين الذى هرب 13 سنة وأنا الذى أمّنته وأكرمته وأعدته إلى كرسيه عزيزاً. لماذا لم تقل إنى أنقذت الأقباط من الرومان الذين كانوا يعذبونهم حتى الموت بآلة تقسم القبطى الذى يأبى دخول الكاثوليكية إلى أربعة أقسام وهو حى. تنهد الشاعر آسفاً: كنت سأقول ذلك فى مقالات مقبلة؟ زجره عمرو بن العاص بشدة: كذاب.. بل قد انتقلت إلى أننا أمة حرق الكتب.. كيف ذلك يا رجل وقد فتح جنود عمر بن الخطاب بيت المقدس وكانت فيها مكتبة كبيرة لم تمس.. وفتحوا دمشق وكانت بها مكتبة عظيمة لم تمس؟! ارتبك الشاعر: أنا آسف.. وكزه عمرو قائلاً: يا هذا.. اقرأ لأى مؤرخ منصف غربى ستجده يقول: إن عمرو بن العاص كان إدارياً وسياسياً وعسكرياً فذاً ولم يكن يصنف الناس بحسب دينهم.. ولكن بحسب عطائهم الإدارى والعملى والسياسى. يا هذا نحن أمة «اقْرَأْ».. وقد كنت أخبر العرب بالبلاد.. وأنا من القلائل الذين كانوا يعرفون كل شىء عن بلاد الشام ومصر واليمن والحبشة وغيرها.. ويكفى أننى هزمت الرومان وأجليتهم عن مصر بعدة آلاف من الجنود. وعلى فكرة، اقرأ التاريخ ستعرف أننى لم أجبر أحداً على الإسلام.. بل إن حركة التعريب والأسلمة فى مصر لم تبدأ عملياً إلا فى عهد المأمون والعباسيين الذين بهروا العالم بحضارتهم. يا هذا.. يا ريت فقط تعرفوا تعملوا دولة عادلة مثل التى كنا عليها.. فقد ضرب ابنى ابن أحد الأقباط فأرانا عمر بن الخطاب الويلات.. ولم يكتف بضرب ابنى بل كاد يضربنى وهو يصيح بأعظم هتاف «متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحراراً؟»، لقد نصر المسيحى القبطى علىَّ وولدى وأنا من الصحابة.. أما أمثالك فقد استمر التعذيب والنهب والسرقة فى مصر 30 سنة فى عهد مبارك فلم تنطق بكلمة حق واحدة.. وكنت من الآكلين على كل الموائد. أيها الشاعر.. أنت وأمثالك أفشل ناس فى تاريخ الكرة الأرضية.. والأغرب أنكم تشتمون فينا وكنا نحكم نصف الكرة الأرضية بالعدل والحق والصدق وأنتم الآن عبارة عن دويلات فاشلة مهزومة تتسول الحضارة من الشرق والغرب.. انتفض الشاعر من نومه مبتلاً وخائفاً ومرتعداً.