إعلاء للقيم والمبادئ الراسخة فى عقل ووجدان كل المصريين، أبرئ نفسى ومجتمعى المحافظ المتدين بطبعه من أى شبهة تعاطف مع الكلب «ماكس»، كيف لى التعاطف مع كلب؟ كيف لى التعاطف مع كائن نجس؟ بل كيف لى أن أتعاطف مع حيوان فى بلد يضم من الحيوانات من هو أدنى وأقل من الكلب فى صفاته ووفائه؟.. «قال أتعاطف مع كلب قال». بداية، لن أخفى كرهى للكلاب، نباح أحدها قد يوقظنى ليالى، وقد يجعلنى أطلق لساقى العنان فى محاولة للهرب من أنيابها المحتملة، أتذكر عدد المرات التى احتجت فيها إلى أحد المارة فقط لينقذنى منهم «والنبى يا عم، هش الكلب ده.. عايزة أعدى»، أتذكر عدد المرات التى رقد فيها أحدها على سيارتى دون أن أجرؤ على إزاحته، بل أضطر للانتظار حتى يغادر الكلب سقف السيارة بإرادته لأسارع بالهرب.. أتذكر سخرية جيرانى فى الحى الشعبى البسيط من قصة الكلب «ماكس»، حين فاجأنى أحدهم: «كل الهيصة دى على كلب.. طب إحنا ولاد الكلب مش هيعملوا حاجة عشانا؟». وهنا مربط الفرس، «ولاد الكلب»، التسمية الأنسب للجيل الرابع من «إحنا بتوع الأوتوبيس» ممن رأوا فى اهتمام الإعلام وأصحاب الأجندات الخاصة فى مجال حقوق الحيوان بأمر كلب شيئاً مستهجناً ومستغرباً، فى بلد لا يخلو أى من بقاعه من «ولاد كلب»، بالمفهوم البرىء والمفهوم الفاسد، فكان الأمر بالنسبة لهم مفاجأة، ترقى لدى البعض إلى الصدمة «للدرجة دى إحنا رخاص».. فيما لم تزِد فى عرف آخرين على كونها مزحة، تضاف إلى غيرها من فصول الكوميديا السوداء. هناك فى شارع الأهرام، حيثش «وقعت الواقعة، ليس لوقعتها كاذبة»، الكل يؤمن بقاعدة «اللمبى»: «واحد مصاحب على علوكة وأشرف كخة عايزه يطلع إيه؟».. هناك قد يأكل السكان لحوم الكلاب دون أن يدروا بها، خارجة من ثلاجات الجزارين، هناك أيضاً لا قيمة للحيوان من الأساس، لأن الإنسان فى الأصل لا قيمة له، فكيف لمجتمع كهذا أن يحاسب على جرم إنسانى، وهو يدار بمنطق أدنى بكثير من منطق البشر؟!. ورغم «الأفورة» الإعلامية التى صاحبت القصة من بدايتها، على يد «حريقة» وأعوانه من الإعلاميين ونشطاء حقوق الإنسان، فإن موقف الحكومة برمتها أصابنى بالحيرة، فلم تلتزم الحكومة بأجندة الكوارث وقضايا الرأى العام المعتادة، لم يحرك وزير الأوقاف دعاة وزارته إلى مساجد المنطقة لهداية أصحابها والحديث معهم عن حقوق الحيوان فى الإسلام، ولم يخصص خطبة الجمعة للتوعية بمخاطر هذه الثقافة الوحشية، لم يزُر وزير الداخلية موقع الحادث، ويعطى تعليماته بسرعة القبض على الجناة وملاحقتهم أمنياً، للقضاء على الداعشيين الجدد، ولم تصرف وزيرة التضامن الاجتماعى معاشاً لأسرة الكلب -أى أصحابه عشان محدش يفتكرنى بهزر- ولم يعلن المحافظ أو رئيس الحى الحداد العام، ولم تخرج حملات تكريم كلاب الشوارع بالحفاظ على حقها فى الحياة -إكرام الكلب قتله- ولم تعترض السفارة الأمريكية على المعاملة غير اللائقة التى تلقاها الحيوانات فى مصر. لم يحدث كل هذا، حدث ما هو أقسى وأصعب من أن يتحمله بشر عاقل، مرت سيدة بوقفة احتجاجية نظمها نشطاء حقوق الحيوان تناشد علاج ابنها، باعتباره «روح برضه»، وإلى الآن لم ينتبه أحد هؤلاء إليها، لم يلبِّ سؤالها وينقذ صغيرها. وقتها فقط عرفت الفرق بين «الكلب».. و«ولاد الكلب».