كل المعنيين بأمر الجمعية التأسيسية والعضوية فيها يتبرأون الآن من المسودة الثانية للدستور المسطورة فى 14 أكتوبر 2012، السيد عمرو موسى وممثلو حزب الوسط بالجمعية تبرأوا من تلك المسودة، وعند النقاش مع الدكتور محمد محيى الدين والأستاذ طاهر عبدالمحسن المنتمى لحزب الحرية والعدالة أكد كلاهما أن هناك مثالب كبيرة فى المسودة. التيار السلفى دعا إلى التصويت بلا على تلك المسودة، ولسان حاله يقول التصويت بلا للدخول للجنة وبنعم للدخول للنار، على عكس ما فعله ذات التيار فى استفتاء 19 مارس 2011 لتعديل دستور 1971، نعم تدخل صاحبها الجنة ولا تدخله النار. إذن مَن وضع تلك المسودة؟ إجمالا المسودة قابلة للتعديل، بعبارة أخرى، لا يمكن الحديث عن أنها كلها سيئة. إذا ما اعتدنا أن نهدم كل شىء لن نصنع شيئا. حتى الآن «محلك سر» هو أبرز شعار المرحلة التى تلت الثورة المصرية. هذا الأمر يرجع لسببين الأول اليد المرتعشة، ويعنى أن هناك سياسات تسعى السلطة قبل تنفيذها لجس النبض إلى الحد الذى يُفهم منه أن الدولة غير قادرة على حسم أمرها، وأنها تتحسس رأى الناس حتى ينفذ قرارها قبل إصداره. هذا الأمر يختلف كلية عن ديمقراطية اتخاذ القرار، الذى يجب أن يكون عن توافق قدر الإمكان، لكن مع فرض الدولة لرأيها فى النهاية، والعاقبة للقضاء للفصل فى أى منازعات. السبب الثانى فى كوننا «محلك سر»، يرجع إلى رغبة جهابذة من قوى المعارضة فى هدم كل شىء، هدم بهدف الهدم، ليس إلا. مزايدات خشية أن يتهم البعض البعض الآخر بالتواطؤ والتهاون، بعبارة أخرى، كل طرف يسعى أن يسبق الطرف الآخر بكلمة لا للتعبير عن أى موقف، خشية أن يتهم بالتقصير والخروج من خندق المقاومة، ومن ثم تعرضه للتخوين والاتهام بالعمالة للإخوان، أو حتى الرغبة فى نيل منصب ما أو خلافة. كل ما سبق لا يعنى أننا قد وصلنا لحالة الكمال فى مشروع الدستور الجديد. فالمشروع ملىء بالمثالب، لكنها قابلة للتعديل. والآن وبعد أن حكم القضاء بإحالة موضوع حل التأسيسية إلى المحكمة الدستورية أصبح الوقت متاحا لمزيد من الحوار المجتمعى، حتى تخرج لنا مسودة الدستور النهائية معبرة بدقة عن توافق مجتمعى حقيقى. قد يقول قائل، ومعه كل الحق، إن «الدستورية» أصبحت طرفا فى الموضوع فكيف تحكم فيه؟ بعبارة أخرى، قد يسأل البعض أن المحكمة الدستورية لديها طلبات تعديل موادها فى مسودة الدستور فكيف يطلب منها الفصل فى بقاء التأسيسية من عدمه؟ هل تقوم التأسيسية بالاستجابة لرغباتها لتمرير الجمعية؟ إذا حدثت تلك الصفقة غير المكتوبة نكون أمام «أحكام ملاكى» لا أظن مطلقاً أننا أمام هذا الخيار. لكن على كل حال تضارب المصالح مؤكد وثابت. والآن ما أهم المثالب الشكلية التى يجب أن تؤخذ فى الاعتبار عند مراجعتها؟ 1- العبارات الإنشائية الكثيرة، ومقالات الرأى فى الدستور، خذ مثلا الحديث عن الاعتزاز بالانتماء لحوض النيل و...، وأن ممارسة الرياضة حق للجميع، وأن النظام الديمقراطى يقوم على الشورى، وأن هذا النظام أساسه... و... و... إلخ. 2- عدم وجود سياق واحد للمسودة، بمعنى أنك من السهولة أن تجد شمخة أو يدا ليبرالية كتبت تلك المادة، ويدا سلفية كتبت هذه، ويدا إخوانية كتبت تلك، وأخرى يسارية كتبت هذا. فى المجمل الأعم هناك حاجة لتوحيد المفاهيم وتوحيد السياقات. 3- الاختصار المخل فى أحيان كثيرة، والإحالة للقانون عشرات المرات، بما يخشى معه أن تأتى القوانين بما يتعارض مع الأحكام باعتبارها تتضمن عشرات المواد المفصلة لمادة واحدة مبتسرة. الموضة الحالية فى وضع الدساتير هى الشرح بعض الشىء، وهذه هى مدرسة أمريكا اللاتينية فى وضع الدساتير. مشروعنا الحالى 231 مادة مقابل 211 مادة فى الدستور السابق، والمطلوب عدم الخشية حتى لو وصلت مواد الدستور إلى 400 مادة. ومهما يكن من أمر علينا أن نكمل، ونبدأ من حيث انتهينا، لا من حيث ابتدينا.. وعلى الله قصد السبيل.