حرص الرئيس السيسى على أن يؤكد فى لقائه مع المدير التنفيذى لشركة «إينى» الإيطالية يوم السبت الماضى، أنه سيتم إعلان قانون الاستثمار الموحد أثناء المؤتمر الاقتصادى الذى ينعقد فى شهر مارس المقبل، واتباع نظام «الشباك الواحد» تيسيراً على المستثمرين. وقد جاء هذا التأكيد من جانب الرئيس بعد أن طال انتظاره وانتظار المستثمرين والمهتمين بتحسين «مناخ الاستثمار» فى مصر لذلك القانون، الذى كان أول قرار جمهورى يصدره الرئيس بعد تنصيبه رئيساً للجمهورية، هو قراره بتشكيل لجنة عليا للإصلاح التشريعى، وكان ذلك بالأساس لرغبته فى الإسراع بصياغة قانون جديد للاستثمار «الموحد» وتفعيل نظام «الشباك الواحد»! فقد أصدر الرئيس السيسى القرار الجمهورى رقم 187 لسنة 2014، بتاريخ 15 يونيو 2014 ونص على تشكيل لجنة عليا للإصلاح التشريعى برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية كل من وزير شئون مجلس النواب والعدالة الانتقالية، ووزير العدل، ورئيس مجلس الدولة، ومفتى الجمهورية ووكيل الأزهر ورئيس هيئة مستشارى مجلس الوزراء ورئيس قسم التشريع بمجلس الدولة ومساعد وزير العدل لشئون التشريع. كما تضم اللجنة ثلاثة من أساتذة كليات الحقوق بالجامعات واثنين من رجال القضاء بدرجة رئيس استئناف أو ما يعادلها واثنين من المحامين يختارهما مجلس نقابة المحامين وثلاثة من رجال القانون من الشخصيات العامة يختارهم رئيس مجلس الوزراء. وقد حرصت على ذكر تشكيل اللجنة تفصيلاً لأوضح قوة ذلك الفريق من أهل القانون والاختصاص والشخصيات العامة ذات الاهتمام بتطوير المناخ التشريعى، وفى المقدمة منه تطوير قانون حوافز وضمانات الاستثمار رقم 8 لعام 1997، وكان قرار تشكيل اللجنة قد حدد لها ثلاثة اختصاصات؛ الأول إعداد وبحث ودراسة مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية وقرارات رئيس مجلس الوزراء اللازم إصدارها أو تعديلها تنفيذاً لأحكام الدستور المعدل أو التى تحيلها إليها الوزارات والجهات المختلفة لمراجعتها وتطويرها والتنسيق بينها وبين التشريعات المختلفة لضمان عدم تعددها أو قصورها أو تناقضها أو غموضها والعمل على ضبطها وتوحيدها وتبسيطها ومسايرتها لحاجة المجتمع وملاءمتها للسياسة العامة للدولة وفلسفتها وأهدافها القومية. ويتضمن الاختصاص الثانى للجنة بحث ودراسة ومراجعة مشروعات القوانين الرئيسية، بهدف تطوير وتجديد التشريعات وتوحيد وتجميع التشريعات فى الموضوعات المتجانسة بما يتوافق مع الدستور ويواكب حركة المجتمع، وتبسيط نظام التقاضى وتيسير إجراءاته وإزالة معوقاته. أما الاختصاص الثالث فينص على بحث ودراسة الموضوعات التى يرى رئيس اللجنة العليا عرضها عليها بحكم اتصالها بشئون التشريع وتقديم التوصيات اللازمة فى شأنها. وكان المفهوم والمعلن أن مشروع قانون الاستثمار الموحد هو فى قمة الأولويات المكلفة بها اللجنة لأهميته الكبيرة فى طمأنة المستثمرين العرب والأجانب والمصريين بالطبع على أن الدولة بعد ثورة 30 يونيو جادة فى تطوير علاقاتها الاقتصادية بدول العالم، وأنها تعد ليكون المؤتمر الاقتصادى لدعم الاقتصاد الوطنى حدثاً غير مسبوق فى حسن الإعداد تأكيد مصداقية الدولة فى تبنيها لسياسات استثمارية إيجابية تراعى الصالح الوطنى، كما تهتم بمصالح المستثمرين ورعاية شئونهم. ورغم النص فى قرار التشكيل على اجتماع اللجنة مرة على الأقل كل أسبوعين، وأن يعرض رئيس الحكومة على رئيس الجمهورية تقريراً شهرياً بنتائج أعمال اللجنة على أن تنتهى من التشريعات العاجلة فى صورتها النهائية وعرضها على رئيس الجمهورية خلال شهرين من تاريخ العمل بهذا القرار، فإن اللجنة منذ تشكيلها فى منتصف يونيو 2014 لم تجتمع لمدة طالت على الشهرين، مما دعا الرئيس أن يستدعيها لاجتماع فى التاسع من أكتوبر الماضى لمراجعة أعمالها، حيث عُرض على سيادته قائمة التشريعات التى حصرتها اللجنة وتزمع «تطويرها»، وانتهى الاجتماع بأن أمهل الرئيس اللجنة شهراً للانتهاء من التشريعات العاجلة، وفى مقدمتها طبعاً مشروع قانون الاستثمار الموحد! وانتهى الشهر ومن بعد شهور ولم تنته اللجنة والحكومة من ذلك القانون! واليوم، وقد بقى على انعقاد المؤتمر الاقتصادى مجرد ثلاثة أسابيع، فإن مشروع قانون الاستثمار الموحد لم يخرج إلى حيز الوجود! وحفلت الصحف بأنباء الخلافات بين وزارة الاستثمار وبين اللجنة العليا للإصلاح التشريعى حول مسودة القانون التى انتهت منها اللجنة وتمت مراجعتها فى مجلس الدولة، وكان مقرراً إقرارها فى اجتماع مجلس الوزراء قبل الأخير، ولكن يبدو أن اعتراضات وزير الاستثمار على ما عرضه وزير العدالة الانتقالية حالت دون إقرار مشروع القانون، وتقرر سحبه وتكليف وزارة الاستثمار بإعداد مشروع يقتصر على تعديلات تدخل على القانون الحالى رقم 8 لسنة 1997 وتم إلغاء فكرة إعداد قانون جديد للاستثمار الموحد. وأياً ما كانت أسباب الخلاف حول مشروع القانون الحائر، وبغض النظر عن أن اللجنة العليا للإصلاح التشريعى أنجزت 18 مشروعاً من 35 مشروع قانون، حسب تصريح منسوب للمستشار إبراهيم الهنيدى وزير العدالة الانتقالية، وبغض النظر أيضاً عن أن مشروع ذلك القانون الحائر فى رأى خبراء معتبرين مهدد بعدم الدستورية، شأنه شأن القوانين التى من المفترض أن تجرى انتخابات مجلس النواب المقبل وفقاً لها، إلا أن المشكلة لا تقتصر على أن ثمانية أشهر قد انقضت منذ طالب الرئيس بإعداد قانون موحد للاستثمار ليصدر قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادى فى الثالث عشر من مارس المقبل، ولكن المشكلة الحقيقية والإشكالية الكبرى، هى أن الرئيس السيسى ينطلق بسرعة غير مسبوقة فى محاولاته إنهاض الاقتصاد وجذب الاستثمارات من مختلف دول العالم، بينما الحكومة ولجانها وأجهزتها التنفيذية تحبو ولا تلاحق تطلعات الرئيس، وقد مل الشعب أخبار اجتماعات الحكومة وتصريحات الوزراء.