ثماني قرون تقلب فيها بين التعب والكفاح.. الصواب والخطأ، سنوات عاش فيها أيام "ملكية" فؤاد الأول وفاروق، و"اشتراكية" جمال عبد الناصر، و"انفتاح" أنور السادات و"ديمقراطية" حسني مبارك، وأخيرا "شرعية" محمد مرسي المزعومة، بين "آبائه وأجداده" نشأ والدي الغالي- رحمه الله- متشبعا بشجاعة موروثة وقوة صامدة وإنسانية طاغية.. يحيطه الصراع القبلي ولم يتسرب إليه شيئا منه، فظل مجتنبا الشبهات.. مبتعدا عن الحرمات.. ومتشددا في الحقوق. بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011 كثُرت المظاهرات وضجت الاحتجاجات، وانتُهكت حرمة الدماء، ورغم عدم اهتمامه بالأحداث السياسية.. كان "الله يرحمه" دائم الرفض والاعتراض القاطعين لأحداث العنف التي يغرق فيها الشارع المصري، مستشهدا بماضي جميل تربى فيه على الاحترام والفلاح والتواصل مع الناس باختلاف طباعهم وقناعاتهم، وكان "الله يرحمه" مداوما على تحذيري من الحيد عن الحق والعدل والانجراف الباطل و"الضلال".. والانغماس في الفتنة وصراع المصالح والكراسي الذي تطير دونه الرقاب "ناس نسيوا العدل فتاه بينهم الحق"- كان هذا تعبيره (باللهجة الصعيدية طبعا) عن قتل الشباب وحرق المنشآت وترويع "الغلابة".. وصولا إلى أقل واقعة خلاف يشهدها أو يحتكم إليه أصحابها للفصل بينهما. قبل عامين.. تمرد "أبي" على حياة وهَنَ فيها عمره.. وأبيض شيبة من أهوالها شعر رأسه، فقرر الصمت الأبدي عما تشهده عيناه من "بلاوي الدنيا".. راحلا إلى عالم آخر، يبلغ فيه الأمن منتهاه وتتجاوز سكينته رفاهية قصور "علية القوم"، حياة لا تعرف الكذب والتدليس وإخفاء الحقائق، اصبح إلى جوار ربه يراه ويكلمه دون حاجب أو حارس.. فهناك الوسطاء يمتنعون، ليس بحاجة إلى نفاق أو تملق للحاكم والسلطة. في مثل هذا اليوم تركنا "والدي" العزيز مغادرا دنيا اللا إنسانية واللا أمان واللا عدالة، ذاهبا إلى دار الحق حيث السلام والعدل والأمان الإلهي.. بعيدا عن جرائم الخطف والقتل والذبح.. ناظرا إلى محكمة الآخرة التي تأتي بقصاص تاه في الدنيا بين الناس.. وعدالة سماوية لا تميل أمام جاه أو سلطة نافذة أو سلطان "ايده طايله". راح "أبي" واستراح من جحد القلوب وتحجر الضمائر ومعصية الله.. في جنات الخلد هنيئا لك أمنك وسلامك عند الرحمن الرحيم.. الله يرحمك في كل وقت وحين.