منذ 10 سنوات لم تخلع الملابس السوداء حزناً على زوجها الذى توفى، تاركاً لها 4 أبناء. على حافة رصيف فى المهندسين جلست بعد أن طلبت من أحد المارة مساعدتها فى إنزال صندوق تحمله فوق رأسها. وضعت الصندوق إلى جوارها وأمسكت ركبتيها بيديها وهى تئن من آلام السير مسافة طويلة. لحظات وتساقطت دموعها وهى تتذكّر النعيم الذى كانت تعيش فيه قبل 10 سنوات: «كنت عايشة معزّزة مكرّمة لحد ما مات جوزى، عشان كده عمرى ما هاقلع الأسود، وعمرى ما هادوق طعم الفرحة». 10 سنوات عجاف عاشتها «فاطمة». اضطرت إلى الخروج من البيت لتنفق على أبنائها. عملت فى نفس مهنة زوجها. تشترى الزرع من المشاتل لتبيعه: «الشيلة تقيلة، والحمل اللى فوق دماغى عمل لى ألم شديد فى ضهرى وصداع مستمر.. ده غير وجع رجلى من كتر اللف». تحمل «فاطمة» فوق رأسها طشتاً كبيراً وأحياناً صندوقاً للشتلات التى تستعد لبيعها، وتسير على قدميها حوالى 5 محطات: «والله يا ابنى باخد الطشت من مشتل فى أبورواش وامشى خمس محطات وهو على راسى. بعدها أركب عربية أروح فيصل والمهندسين. أنزل من عربية أركب عربية لحد ما عضمى اتدشدش». يوم «فاطمة» يبدأ بعد صلاة الظهر. تنزل من البراجيل، حيث تسكن، وتتجه إلى عملها، ولا تعود قبل الغروب، وقت انتهائها من بيع الشتلات. تحب الحديث عن زوجها. لا تحمل ضغينة لأحد. تبتسم رغم الألم والحزن. ورغم تخطيها ال63 عاماً ما زالت قادرة على العمل. تسير كثيراً فى الشوارع على قدميها. تقاوم التعب. أحياناً ترافقها ابنتها «هدى»: «ساعات بتنزل معايا عشان بتخاف عليا، بنونس بعض ونشجع بعض ونتكلم مع بعض أحسن ما أنزل لوحدى، وفيه أيام باتعب لكن برضه بانزل أشتغل عشان مابحبش القعدة». حرصت «فاطمة» على تعليم أولادها وحفيدتها أيضاً حتى دخلت الجامعة: «كان لازم أعلمهم عشان يعرفوا الدنيا ماشية إزاى، ويعرفوا ربنا ومايعملوش حاجة غلط، وبادعى لهم كل يوم وأنا باصلى الفجر حاضر.. ربنا يفتح قدامهم أبواب الرزق».