أيوة الفرح من غير عِرسان مينفعش، فالاحتفالية التى كانت من المفترض أن تقام لإحياء ذكرى نصر أكتوبر المجيد، وجدناها تحولت لاحتفالية بالرئيس وأنصاره، فالفرح هنا ذكرى أكتوبر، وأصحاب الفرح هم أبطال القوات المسلحة والشعب المصرى الذين وجدناهم غائبين تماماً عن المشهد. امتلأ استاد القاهرة عن آخره بأعضاء حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان فيما اقتصر حضور القوات المسلحة على حضور عدد قليل من أفرادها فى أحد مدرجات الاستاد، وظهر الاحتفال كأنة مؤتمر شعبى لحزب الحرية والعدالة، دائماً ما يتحدث الرئيس مرسى على أن مصر تغيرت بعد ثورة 25 يناير، لكنه ما زال لم يثبت لنا ذلك، ففى السابق كان مبارك يحتفل بنصر أكتوبر فى إحدى القاعات بحضور قادة القوات المسلحة، ويقوم أحد المطربين بالغناء، والآن يتكرر نفس الأمر مع تغير فى الشخصيات، فالرئيس يجتمع بأنصاره يطبلون ويهللون له دون أن يدرك الرئيس أن أكتوبر وما تحقق فيه من نصر هو ملك للشعب وقواته المسلحة، ومن الواجب الاحتفال والاحتفاء بهم وليس ملكاً للرئيس وأنصاره وحزبه وجماعته وأهله وإخوانه الذين احتلوا المقصورة الرئيسية فى الاستاد. رغم التحفظات الكثيرة على الحفل وتنظيمه وشكله العام فإن اللافت للنظر أن الرئيس اقتطع جزءاً قصيراً من وقت الحفل للحديث عن أكتوبر وإنجازاته، ثم استغل الوقت الباقى كاملاً للحديث عما سماه، من وجهة نظره، إنجازات المائة يوم الأولى فى حكمه. الواضح من كلام سيادة الرئيس عن إنجازاته فى المائة يوم الأولى، على الرغم من أنها ما زالت لم تنتهِ بعد، يؤكد لنا أنه يرى الأمور من خلال نظارة مبارك، فكثيراً ما كان يخرج علينا المسئولون فى عهد مبارك ليؤكدوا أن معدل النمو تخطى 9%، وهذا إنجاز غير مسبوق فى الوقت الذى تعانى فيه كل مرافق الدولة من التدهور الشديد والانهيار، وأن الاحتياط الأجنبى تخطى 35 مليار دولار، بالرغم من الارتفاع المستمر لأسعار السلع، وأن أموال المصريين المودعة فى البنوك فاقت التريليون جنيه، فى حين أن أكثر من 40% من الشعب يعيش تحت خط الفقر. كذلك حديث الرئيس مرسى عن تحقيق أهدافه بنسبة 70% أمر غير دقيق، تمثلت فى حل أزمة المرور بنسبة 40% وحل أزمة البوتاجاز بنسبة 80% وأزمة رغيف العيش بنسبة 80% والقمامة بنسبة 60%، الناس لا تريد أن تعرف نسباً مئوية لكنها تريد أن تشعر بحل الأزمة على أرض الواقع، فما زال المرور به أزمة كبيرة، وطوابير العيش مستمرة، ورحلة العناء للحصول على أنبوبة بوتاجاز حاضرة، وأزمة السولار والبنزين أصبحت شبه مستمرة بعد أن كانت على فترات، كذلك تحدث الرئيس عن زيادة السياحة بنسبة 11% بالرغم من كل المعارك التى تدور فى سيناء شمالاً وجنوباً، طيب إزاى أصدق؟ سياسة الشكوى والبحث دائماً عن مبررات التى كان يتبعها مبارك ورثها عنه د. مرسى، مبارك كان دائماً وأبداً يتحدث عن قلة الموارد وكثرة عدد السكان وزيادة المصروفات حتى تفتكروا لما كان يستخف دمه ويقول «بطلوا خلفة شوية»، مش عارف هنجيب فلوس منين. الآن الرئيس مرسى ينتهج نفس الأسلوب، ويبحث دائماً عن مبررات ليشعرك بأنه تفاجأ بالوضع الاقتصادى للدولة، وتناسى العهود التى قطعها على نفسه قبل الانتخابات ومشروع النهضة وغيره من الشعارات الرنانة. حدد الرئيس فى خطابه أن رُبع الميزانية يذهب لسداد فوائد القروض التى حصلت عليها مصر فى السابق، مما يسبب عجزاً كبيراً فى الميزانية دون أن يتعرض لمعاناة الأجيال القادمة من القروض الذى سيحصل هو عليها، كما تحدث باستفاضة عن أن قرض صندوق البنك الدولى ليس فيه ربا لأن فوائده بنسبة 1,1% ولم يتحدث عن القروض التى تحصل عليها الحكومة من أذونات الخزانة بنسبة 13٫12%. أتفهم جيداً أنه لا مائة يوم ولا مئات الأيام كافية لأى رئيس ليحقق نهضة فى بلد كمصر، فى ظل الظروف التى تمر بها، لكنها كافية لوضع السياسات والخطوط العريضة التى تسير عليها البلاد إما لنهضة وإما لتخلف، كذلك المصارحة ضرورية حتى نتفهم الأمور وندرك المسار الذى نسير فيه سواء كان صحيحاً أم خاطئاً لأن خلاف ذلك فيه تزييف للحقائق.