لم تكن مجرد علاقات دولية قوية، تحكمها قواعد سياسية أو تاريخية، بل نشأت بينهما علاقات شخصية، ظهرت جلية في اللقاءات والمواقف المختلفة. الرئيس جمال عبدالناصر والإمبراطور هيلا سلاسي، والبابا كيرلس السادس، ثلاثي المواقف التاريخية الذي ساهم في غرس جذور قوية، نشأت عليها علاقات سياسية واقتصادية ممتدة حتى الآن، رغم ما شابها من تدهور في بعض الفترات. كان الرئيس عبدالناصر يدعو الإمبراطور الإثيوبي للمشاركة في الاحتفالات الدينية بمصر، حيث حضر سلاسي وضع حجر أساس الكاتدرائية المرقسية في 24 يوليو 1965، ثم حضر حفل افتتاحها صباح الأربعاء 26 يونيو 1968، مع الرئيس جمال عبدالناصر، والبابا كيرلس السادس، واحتفلوا بإقامة الصلاة على مذبح الكاتدرائية. لم تكن تلك العلاقة الوطيدة ناشئة من فراغ، بل لتركيز مصر على الجانب الديني، فإثيوبيا في ذلك الوقت كانت تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، بل وكانت الكنيسة الأم في مصر ترسل القساوسة للعمل في الكنائس الإثيوبية. وبعد الإطاحة بهيلا سلاسي، بدأت قوة العلاقات المصرية الإثيوبية تتراجع، إلى أن وصلت إلى مرحلة العلاقات الرسمية الشكلية، وترتب على ذلم استقلال الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة الأم في مصر، التي ظلت منذ دخول المسيحية إلى إثيوبيا تابعة للكنيسة المصرية، وأصبح لها بابا إثيوبي خاص بها، وانفصلت قيادتها عن مصر، حيث قامت الكنيسة الإثيوبية من قبل، برسامة "بطريرك" وليس "بطريرك جاثليق" حسب اتفاقية 1959، بين الكنيسة المصرية والإثيوبية، وبدون مشاركة بابا الإسكندرية حسب نص الاتفاقية أيضًا. وعندما قامت الثورة الشيوعية في إثيوبيا، أطاحت بالإمبراطور هيلا سلاسي؛ وسجنت البطريرك الإثيوبي؛ وطلبت من البابا شنودة الثالث رسامة بطريرك جديد بدلًا من البطريرك المسجون، فرفض البابا شنودة هذا الطلب، لأن البطريرك المسجون مازال على قيد الحياة؛ كذلك لم تتم محاكمته وثبوت إدانته. ولم تأخذ حكومة إثيوبيا برأي قداسة البابا شنودة، وقرروا رسامة بطريرك جديد؛ ما أدى إلى حدوث قطيعة بين الكنيستين، واستمرت هذه القطيعة حتى يوليو 2007، حين توسط بطريرك أرمينيا الكاثوليكوس آرام الأول بين الكنيستين، من أجل عودة العلاقات مرة أخرى. وبالفعل تم الصلح، وعقد اجتماعًا ثلاثيًا بين البطاركة في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، في يوليو 2007، كما قام البطريرك باولس بزيارة القاهرة، ولقاء البابا شنودة في فبراير 2010، علمًا بأن هناك 5 زيارات تاريخية قام بها بطاركة مصر لأثيوبيا. الزيارة الأولى قام بها البابا ميخائيل البطريرك ال67 من بطاركة الكنيسة القبطية، في عهد الخليفة المستنصر عام 1036، حيث انخفض فيضان النيل لعدة سنوات، الأمر الذي أثر على الزرع، وحدثت مجاعة عظيمة في البلاد، حتى طلب الخليفة المستنصر من البابا ميخائيل، أن يسافر إلى إثيوبيا ويبحث الأمر مع الملك هناك، وبالفعل سافر البابا ورحب به الملك كثيرًا؛ وهناك فاتحه البابا في موضوع نقص فيضان النيل على مصر؛ فما كان من الملك إلا أن أمر بفتح السد الذي يجري منه الماء إلى الديار المصرية. الزيارة الثانية هي التي قام بها الراهب داود الأنطوني، والزيارة الثالثة قام بها البابا يؤانس التاسع عشر خلال الفترة من 21 ديسمبر 1929 حتى 19 يناير 1930؛ وفي هذه الزيارة قام برسامة مطران خامس لإثيوبيا، والزيارة الرابعة قام بها البابا كيرلس السادس؛ عندما ترأس مؤتمر بطاركة الكنائس الأرثوذكسية، الذي انعقد في أديس أبابا، خلال الفترة من 15 وحتى 21 يناير 1965؛ كما قام الإمبراطور هيلا سلاسي، بزيارة مصر أكثر من مرة، أشهرها عند افتتاح الكاتدرائية المرقسية بالعباسية. أما الزيارة الخامسة، قام بها قداسة البابا شنودة الثالث البطريرك الراحل، خلال الفترة من 11 وحتى 13 أبريل 2008 إلى أديس أبابا. بدوره، زار البطريرك الإثيوبي المتنيح باولوص القاهرة، عام 2011، واستقبله عدد من الأساقفة بمطار القاهرة، قبل وصوله للمقر البابوي في ضيافة البابا شنودة الثالث. وبعد زيارة الأنبا متياس، البطريرك الإثيوبي للقاهرة، على رأس وفد كنسي يضم 4 مطارنة اليوم، في زيارة تاريخية تستغرق 6 أيام، تلبية لدعوة بطريرك الكنيسة القبطية، من المتوقع أن يقوم البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بزيارة قريبة لإثيوبيا. لكن لازالت مشكلة المياه قائمة، فأكثر من 70% من فيضان نيل مصر، يأتي من النيل الأزرق، الذي ينبع من الهضبة الحبشية، والخلاف بين دول المنبع ودول المصب لحوض نهر النيل، إذا قادت إثيوبيا وشجعت توجه دول المنبع، إلى التوقيع منفردة على اتفاق لإعادة تقسيم مياه النيل، رغم اعتراض مصر والسودان، لكن زيارة البطريرك الإثيوبي قد يحمل مفاجأت غير متوقعة في أزمة مياه النيل.