أنا من سكان محافظة أسوان، آخر محطات سكة حديد مصر وبوابة مصر الجنوبية مع دولة السودان الشقيق، وبالرغم من أنها تعتبر محافظة شابة مقارنة بأغلب محافظات مصر حيث إنها استقلت عن محافظة قنا في العام 1900 خلال فترة حكم الخديوي عباس حلمي الثاني، إلا أنها تسيطر عليها الآن شيخوخة تعيق التنمية، وبعض المعوقات المشتركة بين جميع أقطاب الدولة، والتي تتعلق بمحافظة أسوان، وسوف أركز في السطور القادمة على المعوقات التي تخص الجهاز الإداري وبالتحديد ظاهرة "الدولة العجوزة". يواجه نشطاء أسوان من شباب المهتمين بالشئون العامة سواء كانت اجتماعية أو سياسية وأصحاب المبادرات الشبابية عقبات كثيرة ما بين الروتين الحكومي والفجوة الكبيرة علي المستويين الثقافي والفكري بين أجيال اختراع التلفزيون والبرامج الثابتة ونشرة التاسعة، وجيل "آي باد" وجيل الخبر وقت حدوثه، وتظهر الفجوة الثقافية أيضًا في جيل عاش وتربى على أساطير البطل الزعيم الملهم وينتظر توجيهات السيد الرئيس قبل دخول "الحمام" وجيل صانع للتغير مليء بالحماس والتطلع للتغير ومواكبة العصر الذي يعيش فيه، في ظل الانفتاح على باقي ثقافات العالم عن طريق نافذة الإنترنت الذى أصبح جزءًا لا يتجزأ من يومهم. وأبرز هذه تحديد هو لقاء الشباب بأفكارهم وطموحاتهم مع المسؤولين وممثلي الجهاز الإداري للدولة، مما ينتج عنه تعثر في الموافقة وإعطاء التصريحات اللازمة للمبادرات الشبابية والفاعليات التي في أغلب الأحيان تتناسق مع أهداف الدولة العامة، وترجع هذه التحديات إلى أثنان من أهم العوامل: الأول: هو شيخوخة الجهاز الإداري في مصر، حيث لم يتم تعيين دفعة جديدة من حملة المؤهلات العليا منذ عام 1984، وزد على هذا نظام تولي المناصب بالأقدمية بغض النظر عن كفاءة الموظف في الإدارة وخبراته ومؤهلاته الفنية والشخصية ليكون مديرًا، وينعكس هذا على شكل الموظف الحكومي صاحب النمط الروتيني البحت ما يوثر بالسلب على الأبداع والتميز. العامل الثاني هو بحكم موقع أسوان الجغرافي وطبقًا للعرف القائم في جمهورية مصر العربية منذ عقود والذي ينص على أن المحافظات الحدودية وأشباه الحدودية يكون المحافظ فيها من ضباط الجيش المتقاعدين، وبخصوص تجربة أسوان فالمحافظ وسكرتير عام المحافظة ورئيس مدينة أسوان وغيرهم من أصحاب المهام التنفيذية من اللواءات السابقين الذين يتجاوز عمرهم ال60 عامًا وينعكس هذا أيضًا بالسلب على مبادرات وأفكار شباب المحافظة، فليس بالسهل على من أفنوا حياتهم في خدمة وطنهم في الانضباط وتنفيذ الأوامر العسكرية بدون مناقشة وإعطاء الأوامر أيضًا بدون توقع مناقشة من المأمورين كما هو معروف عن الحياة العسكرية، أن يكونوا على رأس الجهاز التنفيذي سواء محافظ أو رئيس مدينة أو شركة، فبقدر ما كانت العقلية الأمنية هامة لحفظ الأمن فبقدر ما تكون هذه العقلية بها مشاكل إذا وضعت في غير موضعها. لم أكن أفضل مِن أبناء جيلي في تجربتي الشخصية مع الدولة العجوزة، فلدي سجل حافل من الإخفاقات والإحباطات مع الدولة العجوزة وسوف أكتفي بذكر اثنين من النماذج، الأول في مديرية أمن أسوان 4 أغسطس 2014 وداخل قاعة الاجتماعات بمديرية أمن أسوان وخلال اجتماع حضره مدير الأمن الجديد، وبدون أي مقدمات وخلال عرض بعض مشاكل أسوان التي تخص الجانب الأمني على مدير الأمن وإذا بسيل من الهجوم علي شباب "الفيس بوك"، وكيف أنهم سبب الانحلال الأخلاقي والفساد الأعظم في المجتمع المصري وغيرها من الاتهامات التي تأتى دائمًا في سياق متصل مع بعضها البعض، في هذا الوقت شعرت بجدار عازل من الفولاذ بدأ للتو في الارتفاع بين مدير الأمن الجديد القادم من منتصف الصعيد إلى أقصاه وبين مختلف الشباب المنتمين لجيل "الفيس بوك". الموقف الثاني داخل ديوان محافظة أسوان وبعد خطة تم إعدادها مع مجموعة من الزملاء أعضاء أمانة حزب الدستور بأسوان، وهو عبارة عن مهرجان رياضي ثقافي بنهر النيل، ولكن لمجرد أنه فكرة مقدمة من شباب من المغضوب عليهم والمحسوبين على ثورة تذكر الكتب أنها نجحت ويذكر الواقع المرير النبذ والتهميش لشبابها حفظ مشروع مهرجان في الأدراج بجوار المئات من أفكار الشباب تدفء بعضهم البعض على أمل الخروج يوم من الأيام للنور. أحلم بالمستقبل القريب في ظل الدستور الحالي الذي يمكن الشباب في مصر بقدر لم يكن موجود في السابق بربع مقاعد المجالس المحلية و16 مقعدًا في كوتة الشباب في مجلس النواب لأول مرة، بجانب توجه ملحوظ من الدولة لإشراك الشباب في عملية صناعة القرار، ولكن نفس المعطيات تؤدي إلى نفس النتائج، أتمنى إذا كان القائمين علي اتخاذ القرار على قناعة حقيقية بدور الشباب في النهوض بالدولة يجب إشراكهم بشكل متوازن بين الجهات الرقابية والتشريعية والتنفيذية أيضًا لكي نصل بمصر لما نحلم به بعد ثورتين عظيمتين جمعت أطياف الشعب المصري ضد الفساد والظلم وغياب العدل.