هو طبيب بالتأكيد.. فقد حصل على مجموع كبير للغاية فى الثانوية العامة أهّله بمنتهى الراحة للالتحاق بكلية الطب.. وفى كلية الطب درس حتى تخرج بتقدير محترم.. وبالإضافة إلى عمله فى التدريس بالجامعة وفى المستشفى الجامعى، فعيادته الخاصة دائماً عامرة بالمرضى.. وهو صديق حميم ألجأ إليه للمشورة الهاتفية عندما أشتكى أو أى فرد من أفراد الأسرة أو الأصدقاء من أى مرض.. وهو دائماً يبعث بداخلى وداخلنا الاطمئنان، ودائماً، أو بمعنى أدق، غالباً يصف لنا دواء «الكتافاست» المسكن.. فإذا اشتكيت من صداع تكون نصيحته الطبية عبارة عن كيس «كتافاست» صباحاً وآخر مساءً، وإذا اشتكيت من آلام فى القولون كذلك «كتافاست» صباحاً ومساءً، وإذا اشتكى أحد الأصدقاء من آلام فى الصدر أو الكتف أو الظهر.. إلخ، كذلك «كتافاست» صباحاً ومساءً.. حتى أصبحنا فى العائلة وبين الأصدقاء نطلق عليه «الدكتور كتافاست» من كثرة وصفه هذا الدواء المسكّن فى غالب الأحيان.. ولمن لا يعرف، فالدواء «كتافاست» عبارة عن أكياس يتم خلط محتواها الشبيه بالبودرة مع قليل من الماء قُبيل تناوله، وهو دواء ذو مفعول سريع فى تسكين الآلام الخفيفة والمتوسطة.. إذن فهو دواء مسكن، وليس دواءً يعالج الداء، وكل مهمته هى تسكين الآلام لفترة محدّدة.. وهكذا يتعامل معنا حكامنا وحكوماتنا منذ عقود طويلة.. يسارعون باللجوء إلى «الكتافاست» وإلى المسكنات حلاً لأى مشكلة أو داء.. والمعروف أن «الكتافاست» والمسكنات ليست علاجاً للداء والأمراض، بل هى مسكنات وقتية، ويبدو أن حكامنا وحكوماتنا منذ عقود طويلة أدمنوا علاج كل المشاكل، بل وكل النكبات باستعمال «الكتافاست» والمسكنات.. مع أنهم لو كلفوا أنفسهم بعضاً من مشقة البحث والتمحيص والتفكير لوجدوا أدويةً كثيرة لعلاج مشاكلنا وأزماتنا ونكباتنا.. وتعالوا مثلاً ننظر إلى مشكلة المرور والانفلات المرورى لنرى حكامنا وحكوماتنا تعاملوا معها بمنطق وثقافة «الكتافاست» والمسكنات حتى تفاقمت المشكلة وأصبحت كارثية، مع أن حل هذه المشكلة كان يستدعى علاجاً جذرياً منذ عقود طويلة، معظمها يتعلق بآداب وسلوكيات المواطن وبقوانين رادعة يتم تنفيذها بمنتهى الصرامة والحزم.. وكذلك مشاكل الصناعة والزراعة، كلها تعاملت معها حكوماتنا، بل وحكامنا بمنطق وفلسفة «الكتافاست».. مسكنات لا أكثر ولا أقل.. لم يجهد حكامنا ولا حكوماتنا أنفسهم فى الكشف الدقيق والفحوصات الدقيقة للوصول لسبب الألم.. حاولوا فقط معالجة الألم وقتياً بالمسكنات الوقتية ولم يجتهدوا على الإطلاق فى بذل أدنى مجهود لمعالجة المرض الذى استفحل للغاية حتى أصبح كارثياً وأصبح جسد مصر مملوءاً بالأمراض الفتّاكة التى تم التعامل معها لعقود طويلة ب«الكتافاست» والمسكنات، حتى وصل حالنا إلى ما وصل إليه من هزال وتفاقم أمراض.. حتى حكومتنا الحالية أراها، وللأسف، ورثت عن الحكومات السابقة التعامل بالمسكنات و«الكتافاست».. لا أرى حلولاً جذرية ولا علاجاً شافياً لأى من أمراضنا المستعصية التى أصبحت من كثرة التعامل معها بالمسكنات، متفاقمة ولا تحتمل الشفاء إلا بتدخل جراحى ماهر.. نعم من كثرة تناولنا «الكتافاست» والمسكنات ومن كثرة إهمالنا موطن المرض والداء، تراكمت الأمراض وتفاقمت وأصبحت غير قابلة للشفاء إلا بتدخل جراحى ماهر، فقد ظللنا مثلاً نتعاطى «الكتافاست» والمسكنات بالنسبة لمشكلة عوائق الاستثمار حتى أصاب الاستثمار فى بلدنا أمراض عضال، بالرغم من كوننا بلداً مؤهلاً جغرافياً وتاريخياً وبشرياً لأن نكون بلداً جاذباً للاستثمار.. ولكننا من كثرة تعاملنا مع مشاكل الاستثمار بمنطق «الكتافاست» والمسكنات أصبحنا بلداً طارداً ومنفراً للاستثمار، والعلاج لا يحتمل على الإطلاق مزيداً من «الكتافاست» والمسكنات.. العلاج لا بد أن يبدأ بتشخيص المرض ووصف العلاج المداوى للمرض وليس المسكن المخفف لآلام المرض.. إذا فعلنا ذلك ففى خلال سنوات قليلة ستختفى أمراض عوائق الاستثمار المدمرة وسنكون بلداً جاذباً للغاية للاستثمار.. وكذلك بالنسبة لآفة التعليم وتدهور منظومة التعليم.. ظللنا نتعامل معها بالمسكنات وترقيع المناهج وترميم المنظومة، حتى تهاوت منظومة التعليم، ومنذ عقود طويلة وهى تصارع الموت فى غرفة العناية المركزة.. وذلك لكثرة وكثافة استخدام «الكتافاست» والمسكنات فى علاجها وإهمال علاج المرض والاهتمام فقط بتخفيف آلام المرض.. وهكذا فى كل المجالات، اهتمام حكامنا وحكوماتنا منصب منذ عقود طويلة وحتى الآن، على استخدام «الكتافاست» والمسكنات مع أنها ليست أدوية علاج.. بل هى مسكنات فقط ولمدة محدّدة.. فهل آن الوقت لتشخيص أمراضنا وعلاجها بضمير يقظ حتى تتماثل هذه الأمراض للشفاء حتى يصح جسد هذا البلد الذى تنهش فيه مئات الأمراض الخطيرة منذ عقود طويلة، والذى يعيش طوال هذه العقود على تعاطى المسكنات حتى أدمنها وأصبحت أكثر ضرراً عليه من أمراضه المتفاقمة..؟ أرجو أن نكتفى بهذا القدر من المسكنات ونلتفت سريعاً وجدياً لعلاج أصل الأمراض قبل فوات الأوان. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد.