لا يخفى على أحد أن الرأى العام يتابع بقلق شديد أعمال لجنة إعداد الدستور، وهناك مخاوف عديدة من أن أعمال اللجنة لن تكلل بإصدار دستور يقيم دولة ديمقراطية يتمتع المواطنون فى ظلها بالمساواة والحرية والعدالة. وما يضاعف من قلق الرأى العام الإشارات المتناقضة التى تصدر عن اللجنة، فهناك صياغات متعارضة لبعض المواد، وكلما انتقدنا صياغة منسوبة إلى اللجنة جاءنا الرد بأن هذه الصياغة قد أعيد النظر فيها وتم تعديلها، ولا توجد قناة موحدة يتعرف من خلالها الرأى العام على أعمال لجنة الدستور بشكل محدد رغم تعيين متحدث رسمى باسم اللجنة هو الدكتور وحيد عبدالمجيد. وكان بالإمكان أن تنظم للمتحدث الرسمى لقاءات صحفية دورية يعلن وحده خلالها ما تم من أعمال اللجنة وما لم يتم، ويشرح للرأى العام كيف يدور العمل داخل اللجنة واتجاهات الرأى الأساسية، ودورة العمل داخل اللجنة من اللجان الفرعية إلى لجنة الصياغة إلى الجمعية العمومية التى ستصدر المسودة الأولى للدستور بعد استيفاء الصياغة فى شكلها النهائى بالتوافق بين لجنة الصياغة واللجنة الفرعية المختصة. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث وبالتالى شاعت البلبلة فى المجتمع حول أعمال اللجنة، وساهم الإعلام فى زيادة الإثارة حول أعمال اللجنة عندما نشر اقتراحات قدمها عضو على أنها من أعمال اللجنة مثل الاقتراح الخاص بإحلال عبارة السيادة لله محل السيادة للشعب وغيرها من الاقتراحات. وإزاء إدراك أعضاء لجنة إعداد الدستور أن الرأى العام لا يعرف ما يدور داخل اللجنة وما انتهت صياغته من مواد واتخاذه موقفاً متشككاً فى أعمالها سارعت اللجنة إلى إعلان ما سمته المسودة الأولى للدستور لطمأنة الرأى العام وتخفيف مخاوفه وكسبه لصف اللجنة، ولكن الحقيقة أن ما أعلنته اللجنة على أنه مسودة أولية ليس أكثر من نسخة عمل لا تزال موضع مناقشة داخل اللجنة ولا تصلح بالمرة لتكون أساس مناقشة مجتمعية مفيدة، فالوثيقة تتضمن فى بعض المواد أكثر من صياغة، وتشير إلى مواد أخرى فيها عبارات بين قوسين، أى أنها ليست نهائية، وهناك أيضاً مواد محذوفة دون أن يفصح عن الموضوع الذى تتناوله، وذلك بالإضافة إلى مواد تمت الإشارة إلى نقلها إلى موقع آخر فى الدستور دون تحديد موضوعها. وهكذا فإن الوثيقة المطروحة للنقاش ليست أكثر من نسخة عمل لا يمكن الانطلاق منها فى مناقشة تحسم الرأى بالنسبة لمسودة الدستور، وكان من الأحرى أن تنهى اللجنة صياغة أولية لمواد الدستور ثم تطرحها متكاملة بحيث تفيد مناقشتها فى حسم الآراء حول القضايا الخلافية. وقد يكون من المفيد أن تطرح اللجنة خلافاتها على الرأى العام حول بعض المواد من خلال نشر صياغتين أو أكثر للمواد موضع الخلاف. يلاحظ أيضاً أن الوثيقة المنشورة لا تشير إلى أن القضايا الخلافية الكبرى قد تمت تسويتها مثل النص الخاص بالمساواة بين المرأة. وهناك أيضاً مسألة الحبس فى قضايا النشر التى لا نجد معالجة واضحة لها، وكذلك سحب تراخيص الصحف التى تصدر ضدها أحكام قضائية حول مواد منشورة بها. وهناك أيضاً العديد من العبارات والألفاظ التى تحمل مدلولات وإيحاءات ليس مكانها فى الدستور ولكنها يمكن أن تُستخدم مستقبلاً لترتيب أوضاع قانونية استناداً إليها تتعارض مع حقوق الإنسان. وبهذه المناسبة فإنه لا يعقل أن يصدر دستور لدولة مصر فى القرن الحادى والعشرين يتعارض فى بعض نصوصه مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وخاصة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر وصدّق البرلمان على ذلك فأصبحت جزءاً لا يتجزأ من منظومة القوانين المصرية، ولا يُقبل أن يصادر على أحد الحقوق التى تتضمنها هذه المواثيق بحجة أنها لا تتناسب مع خصوصية مصر؛ ذلك أن المبدأ الأساسى لحقوق الإنسان أنها لا تتجزأ ولا يجوز المقايضة عليها على حساب بعض هذه الحقوق. وأخيراً فإن المسئولية الكبرى فى إصدار دستور يليق بالشعب المصرى فى القرن الحادى والعشرين يتحملها بالدرجة الأولى الأغلبية الإسلامية داخل لجنة إعداد الدستور وعليها أن تعى جيداً أن إصدار الدستور ينبغى أن يتجنب الاحتكام إلى الأغلبية بل يتم إصداره بالتوافق بين كل الأطراف لكى يحظى بالرضا العام للمجتمع وهو شرط أساسى لاستمراره طويلاً.