قال «مرصد الفتاوى التكفيرية»، التابع لدار الإفتاء إن تشويه الجماعات الإرهابية التكفيرية لصورة الإسلام بانتهاج الوحشية والترهيب والذبح باسم الإسلام، صدّرت مفهوماً مشوهاً لتعاليم الدين من خلال تطبيق مفهوم خاطئ له، وتقديم العنف والقتل وانتهاك حقوق الإنسان على أنها من تعاليم الإسلام، هو سبب تزايد ظاهرة «الإلحاد» بين الشباب فى الدول الإسلامية، لا سيما دول المنطقة التى تمر بمتغيرات سياسية واجتماعية كبيرة. فيما قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، إن مركز «ريد سى»، التابع لمعهد «جلوبال» الأمريكى وضع مؤشراً للإلحاد فى كل دول العالم، موضحاً أن مصر بها 866 ملحداً، ورغم أن الرقم ليس كبيراً، فإنه الأعلى بين الدول العربية، فليبيا ليس بها سوى 34 ملحداً، أما السودان ففيها 70 فقط، واليمن فيها 32، وفى تونس 320، وفى سوريا 56، وفى العراق 242 وفى السعودية 178 وفى الأردن 170 وفى المغرب 325 ملحداً. وأشار المرصد فى تقرير جديد له صدر أمس إلى أن «ظاهرة الإلحاد من الظواهر المعقدة التى تتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية؛ ولذا فإن تحليلها والبحث فى أسبابها يحتاج إلى جهد كبير وبحث دقيق من مختصين فى الفكر والدين والفلسفة وعلم النفس والاجتماع»، لافتاً إلى أن «مواقع التواصل الاجتماعى المتعددة وفرت لهؤلاء الشباب المغرر بهم مساحات كبيرة من الحرية أكثر أماناً للتعبير عن آرائهم ووجهة نظرهم فى رفض الدين، بعيداً عن التابوهات التى تخلقها الأعراف الدينية والاجتماعية». ورصد تقرير المرصد تصريحات لعدد من الملحدين الشباب الذين جاهروا بإلحادهم، مؤكدين أنهم لا يعارضون الدين ولكنهم يرفضون استخدامه كنظام سياسى، داعين إلى فصل الدين عن الدولة، فى حين رفض فريق آخر منهم الدين ككل، فيما ترك فريق ثالث الإسلام إلى ديانات أخرى. كما رصد التقرير أبرز الأسباب التى تدفع هؤلاء الشباب إلى الإلحاد، وكان من أهمها أن «الجماعات الإرهابية التكفيرية التى تنتهج الوحشية والترهيب والذبح باسم الإسلام صدّرت مفهوماً مشوهاً لتعاليم الإسلام، ورسخت صورة وحشية قاتمة للدين، مما نفَّر عدداً من الشباب من الإسلام ودفعهم للإلحاد»، موضحاً أن «من أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد الخطاب الدينى المتشدد الذى تصدره التيارات الإسلامية المتزمتة التى تؤصل لأهم مشكلات التدين فى العصر الحاضر، وهى إشكالية الصراع بين الجوهر الروحى والخلقى الذى يمثل حقيقة الإسلام وبين القشرة الشكلية الخارجية التى تصلح أمارة وعلامة فقط على أن هذا الإنسان ينتمى إلى هذا الدين ويمارس تلك الشعائر، ولكن هذه التيارات لا تعرف سوى التشبث بالأمور الشكلية التى قد تبعد الناس عن الدين». وشدد التقرير على أنه فى ظل «دعوة الجماعات التكفيرية من خلال فهم مختل للولاء والبراء إلى كراهية الآخر لمجرد المخالفة فى الديانة، فيكون من الطبيعى أن ينفر من هذا الكثير من أصحاب القلوب الطيبة والمحبة للآخرين، لأنهم يجدون هذا الأمر صعباً على النفس ومناقضاً لما فطره الله فى قلوبهم من حب للآخرين الذين أحسنوا إليهم. وأوضح التقرير أن مرصد دار الإفتاء رصد حلقة نقاشية أجرتها «هيئة الإذاعة البريطانية» على موقع المدونات القصيرة «تويتر» تحمل عنوان: «لماذا نرفض تطبيق الشريعة الإسلامية»، تجاوب معها مستخدمو الموقع ب5 آلاف تغريدة فى يوم واحد، حيث تركز النقاش حول ما إذا كانت الشريعة الإسلامية مناسبة لاحتياجات الدول العربية والنظم القانونية الحديثة، وكانت أغلبية المشاركين من مصر والسعودية، حيث عبر الشباب المشارك عن أسباب «رفضه» للشريعة الإسلامية، وأشار أغلبهم إلى ما ترتكبه الجماعات المتشددة والمتطرفة من انتهاكات باسم الإسلام من قتل، وسبى، وانتهاك لحقوق الإنسان، وامتهان للمرأة كبيرة وصغيرة، وأن هذه الجماعات تصدر «نسخة إسلامية تقمع الحرية وتمتهن الكرامة». ولمواجهة انتشار ظاهرة الإلحاد، قدم تقرير «الإفتاء» عدداً من الاقتراحات، أهمها أن «نجعل المنهج الوسطى الذى يدعو إليه الأزهر الشريف ثقافة عامة تشيع فى مناهج التعليم والإعلام»، مشدداً على «أهمية عمل برامج متخصصة تقوم على مناقشة الأفكار التى تطرأ على عقول الشباب مع احترام تلك الأفكار ومناقشتها بهدوء ورفق وطرحها أيضاً للمناقشة والرد من قبل متخصصين من علماء الدين والاجتماع والنفس والفيزياء». فيما حذر «نجم»، فى تصريح أمس من «خطورة استضافة وسائل الإعلام لغير المؤهلين وغير المتخصصين فى البرامج الدينية الذين غالباً ما يتعمدون الإساءة فى توصيل المعلومة الدينية الصحيحة ما يؤدى بدوره إلى حدوث بلبلة فى الأفكار واختلال فى المفاهيم». وحول انتشار ظاهرة الإلحاد فى العالمين العربى والإسلامى، قال مستشار المفتى إن «دراسة هذه الظاهرة ليست بالأمر الهين، وتكتنفها مجموعة من الصعوبات المنهجية التى من أهمها انخفاض معدلات الاستجابة لاستطلاعات الرأى الميدانية؛ إذ إن من يعترفون بإلحادهم هم أقل بكثير من العدد الحقيقى الموجود؛ لذلك فإنه عند تقديم الأرقام حول نسب الملحدين فى عدد من الدول تكون النسب فى أغلب الأحيان تقريبية». ولفت مستشار المفتى إلى أن «عدداً من الدراسات والإحصاءات أظهرت أن الإلحاد شهد فى السنوات الأربع الماضية نشاطاً كبيراً، فسرعان ما ظهرت عشرات المواقع الإلكترونية على الإنترنت تدعو للإلحاد وتدافع عن الملحدين.