منذ الإعلان عن النية فى إصدار قانون يحاكم كل من يسىء إلى ثورتى 25 يناير و30 يونيو والجدل لا يتوقف، تساؤلات عديدة ومتعددة عن الهدف والأسباب التى دعت إلى الاستجابة لمطالب البعض ممن دعوا إلى ذلك!! إن الغريب فى الأمر أن من حملوا لواء الدعوة لإصدار هذا القانون هم من صدعوا رءوسنا بالحديث عن حرية الفكر والتعبير ورفض مصادرة الآراء واحترام الآخر.. هؤلاء هم أنفسهم الذين راحوا يطالبون الرئيس بالتدخل لقمع كل من تسول له نفسه الاقتراب من «25 يناير» تحديداً، فهم لا يعنيهم كثيراً «30 يونيو» أو حتى «23 يوليو»!! إننى شخصياً واحد ممن يرون أن أمريكا والإخوان وبعض العناصر التى تم تدريبها فى الخارج على كيفية إسقاط الأنظمة كانوا طرفاً فى مؤامرة استهدفت الوطن من خلال توظيف بعض الأحداث ومعاناة المصريين من حكم الفساد والاستبداد بهدف إسقاط الدولة وليس تغيير النظام. وكنت أرى دوماً أن عظمة الشعب والجيش المصرى فى أنه استطاع أن يحول المؤامرة إلى ثورة، وأن يحتوى الجيش غضبة الجماهير، وأن ينحاز لها ويوظفها التوظيف الصحيح باتجاه التغيير وحماية مؤسسات الدولة. كانت المؤامرة واضحة للعيان، وكانت أطرافها معروفة، سواء تلك الجماعة الإرهابية التى أرادت أن تحل محل الدولة ووافقت على كل المطالب الأمريكية، أو هذه المجموعات -ونحمد الله على أنهم قلة- الذين ارتضوا أن يكونوا وباعترافاتهم مجرد أداة لتنفيذ مخطط الفوضى على أرض مصر. لقد كانت حكومات أمريكا وإسرائيل وقطر وتركيا ترعى هذه المؤامرة منذ وقت مبكر يعود إلى عام 2004، فى إطار ما يسمى «مخطط الشرق الأوسط الجديد».. وكان هذا المخطط يستهدف الوطن العربى بأسره، ويسعى إلى تفتيته وإعادة إنتاج «سايكس بيكو» بصياغة جديدة.. إن السؤال المطروح هنا: ماذا إذا جاء أحد المؤرخين ليتحدث عن هذه المؤامرة، ويقدم الأدلة التى تدعم ذلك؟! إذا ما صدر القانون فإن أياً من آحاد الناس يستطيع أن يتقدم ببلاغ إلى القضاء المصرى يتهم فيه هذا الكاتب أو المؤرخ بأنه يزدرى ثورة الخامس والعشرين من يناير!! إن ذلك لن يمثل قمعاً للآراء والأفكار فحسب، لكنه سيكون بمثابة مصادرة لحرية الفكر والتعبير، إنها «مكارثية» جديدة، هدفها التفتيش فى النيّات والعقول. إن مجرد الإقرار بالمبدأ سيجعل البعض يطالب بقانون لمحاسبة كل من ينتقد ثورة 23 يوليو، وقبلها ثورة 1919، وقبلهما الثورة العرابية، وهلم جراً وصولاً إلى تجريم كل من يوجه انتقادات أو يتطاول على الشخصيات العامة أو رموز الحكم!! إن أحداً من صناع ثورة الثلاثين من يونيو aقانون يجرم كل من ينتقد الثورة أو يسمى قرار انحياز الجيش للشعب بأنه «انقلاب عسكرى» كما يردد بعض المعادين لها، لأن لديهم إيماناً حقيقياً بحرية الرأى والفكر والتعبير، غير أن الآخرين الذين راحوا يطلبون من الرئيس إصدار هذا القانون كانوا يهدفون لتحويل «25 يناير» إلى صنم يعبده المصريون جميعاً دون أن يجرؤ أحد منهم على انتقاده!! إننى شخصياً شاركت فى ثورة 25 يناير، وأعتبر الأهداف التى طرحتها تعبيراً عن مطالب الشعب المصرى فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولكن لا يجب أبداً أن نحاكم كل رأى حر يتناول هذه الثورة أو يعبر عن مواقف تجاهها. لقد تعرض الجيش المصرى العظيم إلى إساءات بالغة من هذه النخبة التى طالبت بذلك، هتفوا فى الشوارع والميادين وعلى شاشات التلفاز، وكتبوا بأقلامهم شعارات بذيئة من عينة «يسقط حكم العسكر» إلى آخره، ولكن أحداً من رجال المؤسسة العسكرية المصرية أو مؤيديها لم يطلب من رئيس الجمهورية أن يصدر قانوناً يجرم هذه الإساءة!! لقد أراد بعض من المطالبين بإصدار هذا القانون حماية أنفسهم، والتعمية على أدوارهم الخفية فى نشر الفوضى فى البلاد، ليتحولوا بذلك إلى «آلهة» لا يجوز الاقتراب منها. لقد كنت أتمنى من الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يستمع أيضاً إلى الأصوات الأخرى التى ترفض المساس بثوابت الدولة ولا تتسامح أبداً فى أمن مصر واستقرارها. وترى أن إعادة البناء لن تتم إلا بكشف كل الأدوار والعناصر المشبوهة التى كانت وراء الفوضى التى سادت ولا تزال تسود البلاد، سواء بالمشاركة أو التخطيط أو التحريض من خلال الصحافة ووسائل الإعلام. لقد أثار الحديث عن مشروع هذا القانون حالة شديدة من الإحباط المجتمعى، حيث أدرك الكثيرون أن الاستجابة لهذه القلة تعنى أن نهجها فى الابتزاز لكل سلطات الدولة ما زال مستمراً، وأنه بدلاً من محاسبة كل من تآمر على البلاد نجد أن صوتهم لا يزال مسموعاً، إننا ندرك أن رئيس الجمهورية يسعى إلى لملمة الصفوف والحفاظ على «حلف 30 يونيو»، ولكن من قال إن هؤلاء مستعدون لوقف نهجهم التحريضى ضد الدولة ومؤسساتها المختلفة، ومن قال إن هؤلاء كانوا من ضمن حلف الثلاثين من يونيو؟! لقد كان بعضهم -وبالأسماء والوثائق- لا هم لهم إلا التآمر على الدولة والتشكيك فى موقف الجيش المصرى بل السخرية من كثير من الرموز العليا والتشكيك فى مواقفها، وهنا يمكن القول إن هناك فارقاً كبيراً بين الحق فى الاختلاف، وبين أن تكون طرفاً فى السعى إلى هدم الدولة وتشويه دور الجيش فى وقت تواجه فيه البلاد تحديات خطيرة ومؤامرات داخلية وخارجية. إننى أطالب بوقف إصدار هذا القانون، باعتبار أن هناك مواد للمحاسبة ينص عليها قانون العقوبات لكل من يتجاوز، خاصة أن القانون الجديد المتوقع صدوره سيُقضى فيه بعدم الدستورية بالتأكيد لأنه يتناقض مع مواد الدستور التى تنص على حرية العقيدة والفكر والتعبير. إننى أطلب من الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يوقف إصدار هذا القانون الذى ستكون له تداعيات خطيرة، إن صدور هذا القانون سيمثل نقطة تحول كبيرة فى مسار الحريات، وهو أمر سينعكس على الجميع بلا استثناء، وسيصدر بصيغ مطاطة تتيح استخدامه ضد كل من يحاول التعبير عن رأيه فى ثورتى 25 يناير و30 من يونيو، حتى لو كان هذا الرأى موضوعياً!! إن الخيار الوحيد الذى يحفظ الحريات هو إحالة الأمر إلى قانون العقوبات الحالى، وهو كفيل بمحاسبة كل من يخرج على نصوص الدستور والقانون دون اللجوء إلى أى صيغ أخرى، حتى لو كانت سليمة المقصد والهدف!!