من على أطراف البوابة الزجاجية، لغرفة تقع فى الدور السادس من بناية اتحاد الصناعات بكورنيش النيل، تظهر ابتسامة إسماعيل ياسين، وقفة الموسيقار محمد عبدالوهاب بكل وقار، أنوثة طاغية لسعاد حسنى.. كلهم معلقون فى براويز زجاجية أنيقة على جدران غرفة صناعة السينما، ممر طويل ينتهى إلى حجرة سيد فتحى رئيس الغرفة.. هى الأخرى لا تخلو من صور مبدعين رحلوا عن عالم الفن، وتبقى ما أثروا به مكتبة السينما المصرية.. «الوطن» حاورت رئيس غرفة صناعة السينما حول أوضاع دور العرض الحالية، وأزماتها مع الدولة: ■ ما رأيك فى الحال التى وصلت إليها الكثير من دور السينما التراثية والتاريخية؟ - الأزمة الحقيقية ليست فى السينمات التراثية التى تهدم، فهى تحل محلها سينمات المولات الكبرى، ولكن دور العرض السينمائى لا تغطى مصر بالكامل، بمعنى أن هناك مجمعاً مثل سيتى ستارز به 21 شاشة، فى الوقت التى تفتقر فيها محافظات الصعيد لدور العرض، ولا توجد فى مدينة سياحية كبرى كشرم الشيخ سوى سينما واحدة. أما بالنسبة للأماكن القديمة، فكان هناك قانون أصدره الرئيس الراحل «السادات» بمنع هدم دور العرض، وقرر أن عملية هدم دور العرض لا بد أن يلحقها بناء أخرى بديلة فى نفس المكان، ولكن للأسف تم إلغاء القانون دستورياً، وذلك بعد أن تقدم أحد المواطنين بدعوى إلى المحكمة الدستورية، والمحكمة قالت إن القانون غير دستورى، لذلك من كان يمتلك سينما أصبح له حرية تغيير نشاطها، مثل سينما «مسرة» أزالها صاحبها وبنى فى مكانها عمارة سكنية، فى حين تحولت سينما شبرا بالاس إلى «خير زمان». ■ معنى ذلك أن إلغاء قانون السادات بمنع هدم دور عرض السينما تسبب فى تفاقم الأزمة؟ - لا.. بدليل أن ملاك تلك الدور بسبب القانون أغلقوها لا هدوا ولا بنوا، ولا يمكن إجبار المستثمر على الاستمرار فى ممارسة صناعة بعينها ولا توجد دولة فى العالم تقوم بذلك، وسينمات المولات تدر أموالاً أكبر و«شيك»، وتجذب الناس، لكن سينمات النظام القديم من الصعب أن تحقق المكسب المطلوب، ففى إلغاء القانون رحمة للمستثمر، وفى نفس الوقت سينمات المولات حلت الأزمة. ■ هل هناك تعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص لإعادة إحياء دور العرض المغلقة؟ - القطاع الخاصة استأجر دور عرض من شركة مصر للصوت والضوء والسينما، التى لها حق إدارة تلك السينمات، بنظام التأجير التمويلى، ليديرها بروح القطاع الخاص، ويخرج بها بعيداً عن بيروقراطية الدولة، ولكن تمت إعادتها مرة أخرى، بسبب ارتفاع سعر الإيجارات، والسينما صناعة متأثرة بكل الأحداث التى تدور فى البلاد، وبسبب الأزمات السياسية اضطربت صناعة السينما، علاوة على التكلفة العالية الخاصة بالعمالة الموجودة داخل كل سينما، التى تفرضها الدولة على المستأجر، فلا يستطيع فصل عامل متكاسل ولا يستطيع استبداله بآخر، بل إن المستأجرين بدأوا فى توفير عمالة تقوم بأعمال الموظفين المعينين من قبل القطاع العام ويدفعون آخر كل شهر مرتبات العاملين بالقطاع العام والعاملين الذى استقدموهم للقيام بوظائفهم.. «ومش معنى إن أنا أستثمر أن أرمى فلوس فى مكان وتضيع، لا بد من ضمان الربح». ■ «ستوديو مصر» فى شارع عماد الدين تحول إلى مجمع للقمامة، بسبب خلاف الدولة مع شريهان، لماذا حينها لم تتدخل غرفة صناعة السينما لحل الأزمة؟ - الاستوديو ده عبارة عن «بلاتوهات» يتم تمثيل المشاهد الداخلية فيها، ولكن مدينة الإنتاج الإعلامى الآن، أصبح لديها مساحات شاسعة. ■ ولكن الاستوديوهات تعتبر جزءاً من التراث السينمائى؟ - ماذا تعنى بالتراث السينمائى، مبنى وكان به سينما وأغلقت وفتحت سينما أخرى فى نفس الشارع، مثلاً سينما القاهرة تحولت لعمارة سكنية، لأن مالكها توفى وقرينته لم تمارس صناعة السينما، فلا يمكن إجبارها على ممارسة صناعها بعينها، ونحن لا نتسلط على المستثمرين ولا نستطيع إجبارهم على أى استثمار، لأنها حرية استثمارية، كما أن القانون الذى كان ينص على منع هدم دور العرض أو هدمها وبناء أخرى، تم إلغاؤه دستورياً. أغلب الشوارع فى مصر تغيرت معالمها، بحكم التطور، وبحكم الزمن، فلا يمكن أن نقول إن المكان التى تم تصوير فاتن حمامة فيه، أن يظل كما هو، لو أنا عندى عمارة تم تصوير فيها كل أفلام عبدالوهاب، لا يمكن أنك تجبرنى على عدم هدمها لأنها ملكى، إذن فالدولة تشتريها ما دامت تريد الحفاظ عليها، «وبعدين فيه غير كده أنا هاعمل عمارة فى الوقت الحالى هاكل منين، ولو الدنيا وقفت عند هذا الحد، هاكل من التراث مثلاً أو أعمل إيه؟». أنا ما زلت مُصراً على قولى، إن الكثافة السكانية فوق ال90 مليوناً، و200 أو 500 دور عرض لا تكفى، نحتاج ليس أقل من 2000 دور عرض بحد أدنى، وتكون على مستوى الجمهورية وليست فى القاهرة والإسكندرية ومحافظات أخرى قليلة فقط، ولكن لا يعنى هذا بالضرورة أن المكان الذى تم تصوير أفلام فيه وفكر المالك أن يغير المشروع أمنعه بحجة أنه «صور فيه فلان، ما هو محمود حميدة بعد 20 سنة هيبقى تراث». ■ ما المشكلات التى تقف عائقاً أمام صناع السينما لإعادة إحياء السينمات التراثية؟ - تركة السينمات التابعة للقطاع العامة كبيرة، وتأجيرها يكون بالموظفين التابعين لها، وهو ما يكلف مستأجر السينما تكاليف باهظة، فلا يستطيع تسريح الموظفين الذين لا يقومون بواجباتهم ويضطر للإبقاء عليهم، وتعيين آخرين يقومون بالأعمال المطلوبة، وهو ما يكلفه مبالغ شهرية كبيرة، كمرتبات فقط، وهو ما تسبب فى إعادة الكثير من السينمات المستأجرة للقطاع العام. ■ هل القطاع العام قادر على إدارة دور العرض وإعادة إحياء المغلق منها؟ - القطاع العام قادر على إدارة دور العرض وإعادة إحيائها، ولكن لا بد من وجود إدارة واعية وعلمية لديها قدر من الشفافية، وطوال عمر القطاع العام يدير أكبر دور العرض والسينمات فى مصر، وكان يمتلك 32 سينما، وفى التسعينات قاموا بتطوير دور العرض، ولكن الإدارة لم تستمر فى عملية التطوير.