ست سنوات قضاها وشبح الموت يلاحقه -نائماً أو مستيقظاً- ليس خوفاً من الموت، إنما ما بعد الموت، فالعثور على مدفن هو منتهى أمله. محمود سعد، رجل خمسينى، عامل زراعى، عاش لحظات مريرة تعود إلى عام 2008 حين اكتشف مرض ابنه بسرطان الدم، ولم تتجاوز سنوات عمره وقتها العام، وعلى مدار 6 أشهر باع خلالها كل ما يملك، واستدان من القريب والبعيد لعلاجه، لكن القدر لم يمهله، ليموت الصغير فى المستشفى الجامعى، وتبدأ مشكلة أكبر من مشكلة علاجه، فالأب لا يملك مدفناً، والوقت ليس فى صالحه، وبعد رحلة بحث شاقة واستغاثات وتسوّل مر، لجأ إلى مدفن عائلى قديم ومكتظ بالرفات: «حطيت العضم فوق بعضه ودفنته». رحل الابن وظل شبح اللحاق به لا يغادر رأس «محمود»، فأسرته التى تتكون من زوجة وأربعة أبناء، ليسوا بمأمن من الموت، وضيق ذات اليد يعزز من مخاوفه، خصوصاً بعد إصابة زوجته بالمياه البيضاء فى عينيها، ولا يقوى على علاجها: «أجيب منين تكاليف العملية، وأنا مش معايا فلوس أسدد بيها ديونى». شهادة الدبلوم الزراعى عام 1986 لم تشفع ل«محمود»، الذى يسكن فى قرية تتبع مركز ملوى، بمحافظة المنيا، فى أن يعثر على وظيفة محترمة يعيش من رزقها هو وأسرته: «يا حكومة، طخونا بالنار زى الخيل وريحونا من الدنيا».