قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر إن الإسلام عالج مشكلة الرقيق، بحكمةٍ تُلائم قدرةَ البشر، فالدائن كان يمتلكُ المدينَ بدَيْنِه، إن عجَز عن الوفاء به، اخذه عبدًا له، ولم يكن الإسلام ليَرضَى عن هذا الاستعباد ديدنًا بين الناس، لأنهم سواسية، ولذا قال رسولنا الكريم: "الناسُ لآدمَ، وخَلَق اللهُ آدمَ من ترابٍ، وليَنتَهِينَّ قومٌ يَفخَرُون بآبائهم وأمهاتهم، أو ليَكوننَّ أهونَ على الله من الجعلان". جاء ذلك خلال كلمته أمام ملتقى زعماء الأديان، بالفاتيكان، لمكافحة العبودية تحت عنوان " الإعجاز الإسلامي في القضاء على العبودية". وأضاف شومان، أنه لم يكن من الملائم لطَبائع البشر أن يُمنَع الرقُّ دفعةً واحدة؛ لأنَّه كان ثروةً مالية للسادة المالكين، ولهذا سلك فيه مسلكَ التدرُّج؛ فوجَّه إلى الإحسان إلى الرقيق، وعدم تكليفهم بما لا يُطِيقون، ثم ضيَّق موردَ الرقِّ فحصَرَه في موردٍ واحد وهو الوقوع في الأسر، وليس كل أسير يسترقُّ بل هو خيارٌ من خيارات لا يكون هو الأفضل غالبًا، في الوقت الذي وسَّع فيه منافذَ الخروج إلى الحريَّة بالعتق؛ حيث جعَلَه كفارةً في القتل الخطأ، والإفطار في رمضان، والظهار من الزوجة، كما جعَلَه من أعظم القُربات التطوعية إلى الله. وأكد شومان، أن هذه السياسة "الحكيمة" انهت الرق تمامًا بعد فترةٍ زمنية ليست بالطويلة، وليس صحيحا الادعاء أن الإسلام رسخ لبقاء الرق بين البشر، لأنه أمر بالإحسان إلى العبيد، وهو إقرارًا ضمنيا بمشروعيته، فهذا التوجيه وأمثاله كان علاجا آنيا لمشكلة مستعصية، إلى أن تقتلع من جذورها، وهو ما حدث بعد ذلك. وأضاف أن بالرغم من "القضاء المبرَم على الرق في التشريع الإسلامي، والشرائع السماوية الأخرى، لا زِلنا نتحدَّثُ عن مكافحة العبودية؛ لأنها بقيت بين الناس في صورتها الأولى في بعض الدول، وهو وجود لا يُقِرُّه تشريعٌ سماوي فضلاً عن شريعة الإسلام السمحة"، وترفضها المواثيق والأعراف الدولية. وأشار شومان، إلى أن هناك صورٌ أخرى حديثةٌ من سَلبِ الحريات التي تقتربُ كثيرًا من صور العبودية البغيضة منها الإتجار بالبشَرِ، والعمل القَسْري، والعمل للوفاء بالديون، واسترقاق الأطفال، وقهر المرأة، وحرمانها من تقلد بعض المناصب التي تصلح لمباشرتها، والتمييز على أساس الجنس أو العرق أو المعتقد، وتحكُّم ذوي الأعمال في العمالة الوافدة، تحكُّمًا مانعًا من السفر، وكابحًا للحريات، وسالبًا للإرادة، وهذه الصور وغيرُها صورٌ يَبغَضُها الإسلام. وطالب وكيل الأزهر، في كلمته المؤسَّسات، والهيئات، والمنظمات الدِّينيَّة، والحقوقيَّة، التصدِّي لهذه الظواهر، ودفع الدول دفعًا لسنِّ القوانين، والتشريعات الرادعة عن سلب الحريات، وهو ما يعمل الأزهر الشريف مع غيره من المؤسسات المعنية لتحقيقه، مؤكدًا أن من هذا المنطلق أوفده إمام المسلمين شيخ الأزهر، لأن الأزهر الشريف يعمل لخدمة الإنسانية جمعا. وأكد شومان، أن النصوص القرآنية واضحة، بل تعتبر إعجاز غير مسبوق في مواجهة ومكافحة كافة صور العبودية، فقال تعالي في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. فقد جعَلَ ميزانُ التفضيل التقوى، من دون نظَرٍ إلى لونٍ أو جنسٍ أو منزلةٍ اجتماعية وقال - صلى الله عليه وسلم -: " لا فضلَ لعربيٍّ على أعجميّ إلا بالتقوى"، وكان رسولنا الأمين يقول عن سلمان الفارسي الذي عاش ظلام العبودية:" سلمان منا آل البيت"، وقدمه غير مرة على وجهاء قريش، وعلى نهج كتاب الله وسُنَّة رسوله الكريم سارَ الصحابة ومَن جاء من بعدهم - رضوان الله عليهم أجمعين - ومقولة سيِّدنا عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص-رضي الله عنهما- منكرا ضرب ابنه لقبطي من أقباط مصر بعد أن جعله يقتص منه بنفسه: "متى استعبدتم الناسَ وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"، ليست غريبة على الآذان البشرية.