تأتي زيارة الدكتور عباس شومان للفاتيكان كأرفع مستوي للتمثيل من قبل الأزهر ولقاء بابا الفاتيكان 'فرنسيس أسقف روما وبطريرك الكنيسة الكاثوليكية لإعادة الحوار بين الأزهر والفاتيكان فيما تعد خطوة بناءة وتشجع علي الحوار والتواصل وتدفع إلي مزيد من بناء جسور الثقة والاحترام المتبادل بين الأديان والحضارات والشعوب، والاحترام المتبادل والتعاون البناء بين المسلمين والمسيحيين ما يعد نموذجا متميزًا يمكن أن يسهم في بناء جسور أوسع من التواصل بين المسلمين والمسيحيين علي مستوي العالم كله لصالح الإنسانية التي تحتاج إلي السلام والوئام لا المواجهة ولا الصراع الحضاري. وتأتي تلك الزيارة قبيل انعقاد المؤتمر الدولي في القاهرة لمحاربة الإرهاب والتطرف وفي الوقت الذي أشارت فيه الأممالمتحدة بمناسبة اليوم العالمي للرق أن ما يقارب 20.9 مليون شخص حول العالم بمن فيهم الأطفال يعانون من أشكال الرق والعبودية المعاصرة والإنتهاك لحقوقهم الأساسية مع عدم وجود الإرادة السياسية الكافية والموارد المخصصة لانتشالهم من هذة الظروف.جاءت كلمة الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر أمام ملتقي زعماء الاديان بالفاتيكان وقال أن من المشاكل الكبري التي عالجتها الشريعة الإسلامية بحكمةٍ تُلائم قدرةَ البشر - مشكلةُ الرَّقيق التي كانت سائدة في الجاهلية حتي إنَّ الدائن ليمتلكُ المدينَ بدَيْنِه إن عجَز عن الوفاء به ليتحوَّلَ من نور الحريَّة التي كان عليها قبل الاستدانة إلي ظلام العبوديَّة المقيتة، ولم يكن الإسلام ليَرضَي عن هذا الاستعباد ديدنًا بين الناس فهو يَنظُر إليهم سواسية خُلِقوا لأبٍ واحدٍ هو: آدم، وأمٍّ واحدةٍ هي: حوَّاء ولذا قال رسولنا الكريم: 'الناسُ لآدمَ، وخَلَق اللهُ آدمَ من ترابٍ، وليَنتَهِينَّ قومٌ يَفخَرُون بآبائهم وأمهاتهم. وقال شومان في كلمته أمام ملتقي زعماء الأديان بالفاتيكان لمكافحة العبودية تحت عنوان 'الإعجاز الإسلامي في القضاء علي العبودية' إنه لم يكن من الملائم لطَبائع البشر أن يُمنَع الرقُّ دفعةً واحدة، لأنَّه كان ثروةً مالية للسادة المالكين، والمال شفيق الروح يشق عليها التخلي عنه، فسلك فيه مسلكَ التدرُّج، فوجَّه إلي الإحسان إلي الرقيق وعدم تكليفهم بما لا يُطِيقون، ثم ضيَّق موردَ الرقِّ فحصَرَه في موردٍ واحد وهو الوقوع في الأسر، وليس كل أسير يسترقُّ بل هو خيارٌ من خيارات لا يكون هو الأفضل غالبًا، في الوقت الذي وسَّع فيه منافذَ الخروج إلي الحريَّة بالعتق، حيث جعَلَه كفارةً في القتل الخطأ، والإفطار في رمضان، والظهار من الزوجة، كما جعَلَه من أعظم القُربات التطوعية إلي الله. كما أكد أن هذه السياسة الحكيمة المتمثِّلة في تقليل الموارد وتوسيع مخارج الخلاص من العبودية انتهي الرقُّ تمامًا بعد فترةٍ زمنية ليست بالطويلة، وليس صحيحا ما يدعيه بعض من قصرت أفهامهم عن فهم شريعة الإسلام، أن الإسلام رسخ لبقاء الرق بين البشر، لأنه أمر بالإحسان إلي العبيد وهو يعد إقرارا ضمنيا بمشروعيته، فإن هذا التوجيه وأمثاله كان علاجا آنيا لمشكلة مستعصية، إلي أن تقتلع من جذورها وهو ما حدث بعد ذلك، ومع القضاء المبرَم علي الرق في التشريع الإسلامي، والشرائع السماوية الأخري، لا زِلنا نتحدَّثُ عن مكافحة العبودية، لأنها بقيت بين الناس في صورتها الأولي في بعض الدول، وهو وجود لا يُقِرُّه تشريعٌ سماوي فضلاً عن شريعة الإسلام السمحة، وتأباها المواثيق والأعراف الدولية، وهناك صورٌ أخري حديثةٌ من سَلبِ الحريات التي تقتربُ كثيرًا من صور العبودية البغيضة، منها: الاتجار بالبشَرِ، والعمل القَسْري، والعمل للوفاء بالديون، واسترقاق الأطفال، وقهر المرأة، وحرمانها من تقلد بعض المناصب التي تصلح لمباشرتها، والتمييز علي أساس الجنس أو العرق أو المعتقد، وتحكُّم ذوي الأعمال في العمالة الوافدة تحكُّمًا مانعًا من السفر وكابحًا للحريات وسالبًا للإرادة، وهذه الصور وغيرُها صورٌ يَبغَضُها شرعُنا الحنيف. وطالب وكيل الأزهر في كلمته المؤسَّسات والهيئات والمنظمات الدِّينيَّة والحقوقيَّة التصدِّي لهذه الظواهر، ودفع الدول دفعًا لسنِّ القوانين والتشريعات الرادعة عن سلب الحريات، وهو ما يعمل الأزهر الشريف مع غيره من المؤسسات المعنية لتحقيقه، ومن هذا المنطلق أوفدني إمام المسلمين شيخ الأزهر حفظه الله، لأن الأزهر الشريف يعمل لخدمة الإنسانية جمعا. وأوضح أن النصوص القرآنية واضحة بل تعتبر إعجازا غير مسبوق في مواجهة ومكافحة كافة صور العبودية فقال تعالي في كتابه الكريم 'يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ' [الحجرات: 13]. فقد جعَلَ ميزانُ التفضيل التقوي، من دون نظَرٍ إلي لونٍ أو جنسٍ أو منزلةٍ اجتماعية. وقال - صلي الله عليه وسلم -: 'لا فضلَ لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي'.. وكان رسولنا الأمين يقول عن سلمان الفارسي الذي عاش ظلام العبودية: 'سلمان منا آل البيت'، وقدمه غير مرة علي وجهاء قريش، وعلي نهج كتاب الله وسُنَّة رسوله الكريم سارَ الصحابة ومَن جاء من بعدهم - رضوان الله عليهم أجمعين - ومقولة سيِّدنا عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص-رضي الله عنهما- منكرا ضرب ابنه لقبطي من أقباط مصر بعد أن جعله يقتص منه بنفسه: 'متي استعبدتم الناسَ وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا'، ليست غريبة علي الآذان البشرية.جدير بالذكر أن زيارة وكيل الأزهر للفاتيكان سوف تشهد مجموعة من الفعاليات عقب الانتهاء من مؤتمر القاهرة ما يعد باكورة لعودة الحوار بصورة مشرفة في إطار التواصل لمحاربة الإرهاب والتطرف ونشر وسطية الإسلام والتواصل مع الأديان ومحاربة العبودية