متململاً؛ أخمد سيجارته في المنفضة؛ ضاغطًا إياها بأنامله تأكيدًا على الخمد وبادر بإشعال رفيقتها طلبًا للصحوة.. يفرك بأنامل يده الأخرى جفنيه ويتثاءب مُذيلاً تثاؤبه زئير أسدٍ مُكبل إلى الأريكة بالنعاس.. ينفث دخان سيجارته في متتالية كمن يحرق أفكاره التي تعيث في رأسه.. لم يخرجه من تلك المحرقة سوى صوت أمه وهي تلكزه في محاولة تنبيه كي لا يسكب كوب الشاي بجوار المنفضة أو يتغافل مثل عشية اليوم السابق؛ ويغمد سيجارته فيه.. يومئ برأسه لتهدأ أمه من نوبة التحذيرات الصباحية؛ لا تطل البقاء مستلقيًا. لا تسقط جمرة سيجارتك على دثارك؛ لا تغفل عن احتساء كوبك؛ لا لا لا؛ ولا يوقف سيل النواهي سوى خرير الماء الصادر من فوهة الصنبور؛ فتهدأ بالاً أنه استفاق من نعاسه وباشر يومه المعتاد؛ وبدأ الاغتسال أغلب الأحيان هو يفعلها كي تهدأ وتكف عن الإلحاح ؛ ويظل واجماً أمام الحوض يتابع سيل الماء المتدفق أمامه إنها الحياة ؛ تمضي ؛ لكنها لا تمضي خارج هذا النسق الفاتر .. من ناحيتي صباحًا أعمل مرغمًا من أجل حفنة نقود وتأمين صحي وبدل انتقال؛ في وظيفة شحذها أبي شحذاً من المصنع قبيل إقالته بدعوى الخصخصة؛ فرضخوا إكراماً لظهره الذي تقوس أمام أفران الصهر.. حتى مبلغ نهاية الخدمة لم ينالني منه شيء؛ فقد ذهب وبالكاد في تأثيث وتجهيز شقة أختي الصغرى التي توشك على إتمام زواجها.. وفي المساء أنصهر أيضاً أمام فرن البيتزا والفطائر؛ وليلاً .. أنصهر على الأريكة من القيظ الذي يعتصرني.. البيت حجرتان؛ حجرة لأبي وأمي يبيتان بها منذ درجنا؛ والأخرى للفتاتين ؛ وبالكاد تفترشان سريراً واحداً ؛ ويحتل فراغ الحجرة كومات (الجهاز) ولوازم العرس أمَّا الصالة ففيها التلفاز ؛ وهو ما يجعل نومي آخر مقتضيات الحياة اليومية .. الأريكة التي أنام عليها؛ والتي هي فِراشي ليلاً تجاورها منضدة تحمل أشيائي هاتفي وساعتي وحافظة نقودي. طرقٌ على باب الحمام ؛ إنه صوت أختي الكبرى تريد الولوج لقضاء حاجتها .. قطعت علىَّ ما كنتُ أفرغه من مخزن كبت فحولتي في المجارير .. ذهبت الكبرى يأساً مني .. ولم يبق سواي حتى أصابها اليأس .. منذ كنت صبياً؛ كنت أغضب منها لأسباب صبيانية؛ فأنعتها بالعانس؛ فتهزأ بجملتها المعهودة التي لقنتها إياها أمي (لسه النصيب مجاش) لتحتال على حنقها ممن يلوّح لها بشبح العنوسة . أنا أيضاً صرت أرددها لمن يسألني ؛ أو يمني علىَّ بالزواج (لسه النصيب مجاش) وأضيف إليها ( بمشيئة الله ) وأحياناً أسخر من حالي بأني أتعفف ولا أريد ؛ وأبغي حريتي. الكبرى الآن تصمت ولا تنبس ببنت شفة لأي من كان حين يمنيها البعض بالفرح؛ وتكتفي بالإيماء؛ ثم تشرد إلى ما وراء حاجز صمتها لتمنح أمي فسحة للدعاء؛ وتنسل خلف ستارة تطل منها على العالم؛ أو تتابع في شغف وترفق مسلسلاً عثمانياً يحادثها بالشامية ؛ ويدغدغ مخزون عاطفتها ؛ فتشرد وتبكي وتعشق وتقتل وتحارب وتتزوج وتقترف الخطيئة وتطلب الغفران في آن واحد أنا أيضاً صرت أرددها لمن يسألني ؛ أو يمني علىَّ بالزواج (لسه النصيب مجاش) وأضيف إليها (بمشيئة الله) وأحيانَا أسخر من حالي بأني أتعفف ولا أريد ؛ وأبغي حريتي . الكبرى الآن تصمت ولا تنبس ببنت شفة لأي من كان حين يمنيها البعض بالفرح ؛ وتكتفي بالإيماء؛ ثم تشرد إلى ما وراء حاجز صمتها لتمنح أمي فسحة للدعاء؛ وتنسل خلف ستارة تطل منها على العالم؛ أو تتابع في شغف وترفق مسلسلاً عثمانيَا يحادثها بالشامية؛ ويدغدغ مخزون عاطفتها؛ فتشرد وتبكي وتعشق وتقتل وتحارب وتتزوج وتقترف الخطيئة وتطلب الغفران في آن واحد.