على مدار مراحل التاريخ الإسلامى كان وصف «الخوارج» يطلق على من يحملون السلاح فى وجه السلطة الحاكمة باسم الدين، ناظرين إلى ذلك على أنه نوع من الجهاد. ولو أنك تصفحت كتب التراث فسوف تجد أحاديث متعددة تتناثر هنا وهناك عن فلان «الخارجى» الذى ظهر ونابذ أحد الخلفاء الأمويين أو العباسيين. وقد دأب الخوارج عبر تاريخهم على الأخذ بظاهر النصوص القرآنية مما ساقهم إلى إطلاق الأحكام، دون ربط الآيات الكريمة بسياقات نزولها، فضلوا وأضلوا، رغم أنهم دشنوا فكراً سياسياً كان الأقرب إلى الديمقراطية حين أسسوا لحق المسلمين فى أن يختاروا من يحكمهم، لكنهم أرادوا إملاء ذلك بالسيف، فزهد فيهم الناس فى كل العصور. وفى مواجهة المعارضة «الخارجية» كان تاج الحكم يصل دائماً إلى من يمكن أن نطلق عليهم وصف «الدواخل»، وهم أفراد وعائلات، أو قل «أرستقراطية» بالمصطلح الحديث، كانت تتمكن من ركوب فترات التغيير والصراع، لتقطف ثمرة الحكم فى النهاية. دأبت تلك المجموعات على «دخول» الصراع فى مراحله الأخيرة، أو بالتعبير الأدق لحظة حصد المغانم، لتفوز دون غيرها بالحكم، اعتماداً على امتلاكها أدوات السيطرة، من مال وجاه وحنكة سياسية وتمرس وتجربة وأدوات لفرض نفسها على الشعوب. وقد أسس الأمويون لنظرية «الدواخل» تلك. فقد كانت العائلة «السفيانية» -نسبة إلى أبى سفيان بن حرب- آخر العائلات المكية دخولاً فى الإسلام، وكثيراً ما كان ينعتهم المكيون ب«الطلقاء»، فى إشارة إلى قول النبى، صلى الله عليه وسلم، لهم بعد فتح مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». ومن صلب أبى سفيان جاء ابنه «معاوية» الذى عاصر أحداث الفتنة الكبرى بما شهدته من تفاعلات أدت إلى استشهاد الخليفة عثمان بن عفان، رضى الله عنه. لم يتدخل «معاوية» طيلة مراحل الفتنة، ولم يتحرك لإنقاذ ابن عمه «عثمان»، واكتفى بأن يمكث غير بعيد، حتى حانت لحظة «دخول» معترك الصراع، فامتطى صهوته فى مراحله الأخيرة، بعد أن طابت ثمرة الحكم وأوشكت على السقوط فى حجره. عندما أوشك جيش معاوية على الهزيمة أمام جيش على بن أبى طالب فى موقعة «صفين» بادر الأخير -بنصيحة من عمرو بن العاص- إلى تحريض جنوده على رفع المصاحف على أسنة الرماح، مطالبين بتحكيم كتاب الله، هنالك خرج مجموعة «القراء»، من حفظة القرآن الكريم، وكانوا يلقبون بهذا اللقب، وقالوا لعلى: «كيف تحكم الرجال فيما قضى فيه الله؟»، كان دأبهم -كما ذكرت لك- التشبث بظاهر النص القرآنى، فتمسكوا بوصف القرآن الكريم للفئة التى تنازع الخليفة المبايع ب«الفئة الباغية»، استناداً إلى قوله تعالى: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ الله». وانتهى الأمر ب«القراء» إلى الخروج على «على»، بالإضافة إلى «معاوية» الذين خرجوا أصلاً ضده مع «ابن أبى طالب». وقد أجاد «معاوية» قراءة المشهد وهو يرصد «القراء» بين صفوف «على»، فاستغل الموقف وأحدث الوقيعة بينهم عبر حيلة «رفع المصاحف»، لينتهى الأمر باستشهاد على بن أبى طالب على يد أحد «الخوارج»، ليتربع معاوية بن أبى سفيان أحد «الدواخل» حديثاً إلى الصراع على كرسى الخلافة!.