فى إطار الدورة الخامسة لبانوراما الفيلم الأوروبى التى تقيمها شركة أفلام مصر العالمية، بإشراف وحماس المنتجة والمخرجة ماريان خورى، تم عرض ثمانية وعشرين فيلماً روائياً وتسجيلياً طويلاً وثلاثين فيلم تحريك، إضافة إلى عدد من الأفلام القصيرة، من عشرين دولة أوروبية، وهو جهد سنوى تقوم به ماريان خورى، وفريق العمل المصاحب، بهدف توسيع رقعة الذائقة السينمائية وتعريف الجمهور من عشاق السينما بسينمات أخرى غير السينما الأمريكية التى تستحوذ على أكثر من 80% من سوق التوزيع فى العالم، خاصة أن السينما فى أوروبا تحتشد بأسماء كبيرة لا يعرف المشاهد المصرى عنها شيئاً، إلا من تتاح له من النقاد والإعلاميين فرصة المشاركة فى مهرجانات وتظاهرات سينمائية خارج مصر، ومن ثم فإن البانوراما تفتح سنوياً آفاقاً جديدة فى فضاء الثقافة السينمائية بذلك التنوع الخلاق فى الاختيارات من مدارس واتجاهات وأنواع تحفل بها العديد من الدول الأوروبية. من بين القامات الكبيرة التى أضاءت سماء البانوراما يأتى فى مقدمتها المخرج البريطانى العجوز (76 عاماً) ذو الروح الشابة المتقدة سينمائياً، كين لوش، صاحب السعفة الذهبية لمهرجان «كان» عام 2006 عن تحفته «الرياح التى تهز الشعير».. إلى جانب أكثر من سبعين جائزة محلية ودولية وترشيحات تتجاوز الخمسين ترشيحاً لجوائز.. و«لوش» صاحب رقم قياسى فى مشاركاته فى مهرجان كان بلغت 17 مشاركة من بينها 14 مرة فى المسابقة الرسمية وثلاث مرات فى أقسام المهرجان الأخرى، كما رُشح هذا العام (2012) للسعفة الذهبية عن فيلمه نصيب الملائكة الذى فاز بجائزة لجنة التحكيم، وهى الجائزة التى سبق أن حصل عليها لوش ثلاث مرات من ذات المهرجان عن أفلامه «نظرات وابتسامات» 1981، و«الأجندة المختفية» 1990، و«الأحجار الممطرة» عام 1993. «نصيب الملائكة» أحد الأفلام المشاركة فى بانوراما هذا العام، كتبه الكاتب السينمائى القدير بول ليفيرتى مؤلف الرياح التى تهز الشعير، وثمانية أفلام أخرى تضمنتها قائمة أفلام كين لوش. وليفيرتى، شأن صديقه لوش، معروف بميوله اليسارية واهتمامه بالبسطاء والمهمشين، أو كما يقول لوش «هؤلاء الذين لا يملكون القدرة على إسماعنا أصواتهم»، خاصة أبناء الطبقة العاملة، ويكمل «أنا أصنع سينما عن البشر العاديين ومشكلاتهم، وليس عن النجوم أو الأثرياء أو عن المغامرات العبثية».. لذا تحمل أفلامه دائماً بعداً سياسياً واهتماماً بتقديم شخصيات ونماذج من الطبقات المقهورة.. ويلعب فيها العنف دوراً أساسياً؛ فلوش يعتبر أن العنف فى أفلامه، ليس تزيُّداً، وإنما يجعلها أقرب إلى الواقع الحقيقى الذى يريد التعبير عنه.. غير أن نصيب الملائكة جاء على غير ذلك، وإن حمل ملامح سينماه الواقعية بشخصياته القادمة من قاع مدينة جلاسجو الأسكتلندية، والمحكوم عليهم بقضاء ساعات من الخدمة المجتمعية جرّاء ارتكابهم لجرائم صغيرة، فإنه يخلو من تلك الوجبة الوافرة من العنف، ومن ثم يأتى مفعماً بروح كوميدية ساخرة شديدة العذوبة، تنبع من طبيعة شخصياته التى تحاول أن تغير من طبائعها وسلوكها غير القانونى لكن المجتمع المتعنت يقف فى طريق رغبتهم فى الاستقامة، ليعودوا لارتكاب جريمة غش وسرقة، لا يدينهم فيها كين لوش، بل يكاد يؤمن بأن ما حصلوا عليه هو نصيب الملائكة فى أموال هؤلاء الأثرياء السفهاء الذين يشترى أحدهم برميلاً من الخمر المعتقة بمليون ومائة وخمسين ألف جنيه إسترلينى فقط، كى يتصور بجانبه متشامخاً فى خيلاء جهول.. فى مشهد هزلى يتهكم فيه لوش بشدة على هؤلاء الأثرياء المتنطعين.. نصيب الملائكة تعبير مجازى عما يتبخر من برميل الخمر كل عام حين يفتح لتهويته، وهو يعادل 2% من حجم محتوى البرميل. يقدم لوش دراما إنسانية رقيقة يكشف فيها عورات المجتمع الأسكتلندى وتفاهة طبقاته الغنية وقسوة فقرائه على ذويهم بسبب غياب الوعى، مستخدماً أسلوب سرد كلاسيكياً أقرب إلى السهل الممتنع، والممتع، من خلال عصابة صغيرة من ثلاثة شبان وفتاة جمع بينهم رفض المجتمع، فيخططون لسرقة بضع زجاجات من خمر نادرة يتربحون منها ثروة ضخمة دون أن يطالهم القانون الأعمى، لا يرى -فى مفارقة تبعث على الدهشة- أن فى سلوكهم ما يخالفه. جعل لوش للفقراء نصيباً مما كسب الأغنياء، دون شجب أو إدانة› فالفيلم صرخة فى وجه مجتمع ظالم.. يقسو على أبنائه بغير رحمة.. مجتمع خطاء لا يعرف معنى التسامع ولا يعفو عن الحظائين.. ويا لها من قسوة المظلومين على المظلومين!