شعبٌ متحيِّرٌ، يعانى من أجل لقمة عيش نظيفة، وحياة كريمة، وطرق منسابة، وشعور باحترام الذات، ويترقب انفراجة بعيدة الأمد، والأمل يراوده، ولكن اليأس يبدده، يضحك حيناً، ويبكى أحياناً، يتصاعد عنده التفاؤل لحظة، ويعتريه القلق من تبدد أمله لحظات، يتخيل لوهلة أن طريق الحياة الكريمة قد لاح له أخيراً، ثم يقف متحيراً ومترددا لغياب ذلك الطريق، شعب لم تفارقه الآلام، ولا يبدو له (أحياناً) أنها ستفارقه، وهو لا يعرف، هل هو ظالم أو مظلوم، يطالب بحقه، أم يتعدى حدوده، ويكاد يستوى عنده الصبح بالليل، لأن الهم يطارده صباحَ مساء، شعب يكاد يرى كل شىء بعيداً، عسير المنال، حتى خشيت من أن ييأس من كل شىء، فانطلقت ذات ليلة إلى كتاب الله تعالى، لأفتش فيه عما يبدد عن الناس اليأس، ولأرى، ما هو القريب الذى أبشر الناس به، حتى أستخرج لهم من القرآن شعاعاً، وآتيهم من سبأ بنبأ، يقاوم الحال المرير المخيم، من تيارات منفلتة فى كل شىء، دينياً، وسياسياً، واجتماعياً، فوجدت أن القرآن بشرنا بقرب عدد من الأمور، تعيد إلى الإنسان توازنه، أمام جيوش اليأس والهموم، فالله تعالى قريب، وكفى به ولياً ونصيراً، ونصره قريب، ورحمته قريب، وفتحه قريب، وأظن أنها عناصر الأمل وأركانه: 1- الله جل جلاله قريب، يسمع ويرى، ويعلم ما ينزل بعباده من كرب، وهو الذى يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وهو العليم بعباده، الرحيم بهم، وإذا ضاقت الأرض على الناس بما رحبت فرحابه سبحانه واسعة، ولا يخيب من قصده، وهو العليم بأحوال الشعوب، وما نزل بها من فقر، واستعمار للوطن من الأجنبى أولاً، ثم من أبناء الوطن نفسه ثانياً، ومسخ للهوية، وطمس لها، وتخلف، وظلم، واستبداد، وتكالب على السلطة والملك، وشدة تهالك على المصلحة الذاتية الضيقة، وإن ضاعت فى المقابل شعوب، لكنه سبحانه هو القريب، وليس بيننا وبينه حجاب، فكونوا على ثقة ويقين فيه جل جلاله، قال سبحانه: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ» (سورة البقرة، الآية 186)، وقال سبحانه: «هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ» (سورة هود، الآية 61)، وقال سبحانه: «وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبِّى إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ» (سورة سبأ، الآية 50). 2- رحمته سبحانه قريب، ولطفه عاجل، فكلما اشتد حال المعيشة، وشعر الفقير بثقل الحياة عليه، وأن برامج الإصلاح طويلة الأمد، لا تبدو لها بداية ولا نهاية، وأن مرارة الفقر قد ملأت حلقه وباطنه، فلا ييأس، فإن لطف الله تعالى قريب، قال جل شأنه: «وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين» (سورة الأعراف، الآية 56). 3- نصره سبحانه قريب، فكلما تجدد اقتحام الصهاينة للأقصى، ولاح احتمال تقسيم الأقصى أو هدمه، مع حال الشعوب العربية المهترئ، غير المبشر بأى حرمة ولا حمى لمقدساتنا وأرضنا، فلا تيأسوا، فإن نصر الله تعالى قريب، قال سبحانه: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ» (سورة البقرة، الآية 214)، وقال سبحانه: «حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ» (سورة يوسف، الآية 110). 4- فتحه سبحانه قريب، فكلما تخيل أحد أن التعقيد الاقتصادى والإدارى والسياسى والدستورى والحياتى واليومى والمعيشى قد بلغ غايته، وأن فك العقد والمشكلات فى الهيكل المصرى المعاصر فى غاية العسر والصعوبة والتشابك، فإنه ينبغى فى المقابل عدم اليأس، لأن الفتح الإلهى قريب، وهو حلال العقد، وإذا جاء الفتح منه سبحانه انفكَّ التعقيد الإدارى المتراكم، وانفكت عقد الحال الاقتصادى المتردى، قال جل شأنه: «وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» (سورة الصف، الآية 13). والخلاصة أن هناك أبواباً من الأمل القريب، بين أطباق من الظلمات المتراكمة، ولا يستطيع إنسان أن يتحرك خطوة، ولا أن يعمل ويستمر، إلا بشعاع من الأمل ينبثق ويترعرع فى باطنه، فيا أيها الشعب المصرى الأصيل الكريم، قد طال منك التحمل والصبر، وطال ليلك وظلماته، وإذا اشتدت الأزمات، فلك الله، فلا تيأس.