طريق غير ممهد يسكنه غبار كثيف يزكم الأنوف وأدخنة تصبغ هواءه بلون رمادي باهت، في نهايته سور تطل من خلفه "أربعة قباب" لم يغادرها شموخها رغم أكوام القمامة التي استعمرت المكان. القباب الأربع هي ما تبقى من سبعة قباب بنيت فوق رفات سبعة من البشر قبل ألف عام، تختلف الروايات التاريخية بشأنها، إلا أن الحكاية الأكثر شعبية تروي عن سبع بنات لأحد كبار الدولة في العصر الفاطمي توفين في توقيت واحد وتم دفنهن في هذا المكان ثم بنيت تلك الأضرحة فوق قبورهن، حسبما ذكر عالم الآثار الإسلامية، مختار الكسباني. جاء في فصول الحكاية أيضا، وفقا للكسباني، أن علاقة حب ومودة ربطت بين الفتيات السبع وبدر الدين الجمالي أمير الجيوش ووزير الخليفة المستنصر بالله، ما جعله يوصي بدفنهن في أعلى مكان بمصر ليطل عليهن من قبره القابع فوق المقطم. أمام قباب "السبع بنات" يستقر منزل صغير مبني من الطوب الأحمر لرجل في العقد الرابع من العمر، يروي حكاية تختلف بعض الشيء عن الرواية التاريخية التي ذكرها عالم الآثار الإسلامية، يقول "السبع بنات كانوا مجاهدات بيقاتلوا اليهود زمان بس ماتوا والأضرحة دي اتبنت فوق قبورهم عشان يكرموهم". الحكاية التي يتناقلها جيران السبع بنات ويعتقدون في صحتها بشأن صاحبات الأضرحة تتفق مع الرواية التاريخية في أن بدر الدين الجمالي طلب أن يدفن في المقطم ليطل عليهن، إلا أنه وفقا للنادي، فإن أمير الجيوش لم تربطه علاقة مودة بالفتيات فقط بل كان والدهن. سبيل يتكون من 7 أزيار معلق فوقه لافتة مكتوب عليها: "سبيل السبع بنات" بناه صلاح النادي أمام منزله المقابل للأضرحة، "بنيت السبيل وحطيت زير لكل بنت من السبع بنات رحمة على روحهم وعشان يشفعولنا عند ربنا"، يقول جار السبع قباب موضحا أسباب تسمية السبيل على اسم الأثر. التبرك ب"السبع بنات" عند سكان المنطقة لا يتوقف على سبيل يحمل اسمهن، فيوم الجمعة من كل أسبوع تتوافد السيدات إلى الأضرحة، يقمن بوضع الحنة عليها ويشعلن الشموع أملا في أن تشفع الفتيات السبع لهن عند الله فيستجيب لدعواتهن "ربنا بيجعلهم سبب في تحقيق المراد وكتير ستات مكنوش بيخلفوا راحوا حنوا البنات وربنا استجاب لهم وفرحهم بالعيال"، تقول سيدة خمسينية ترتدي جلبابا متهالكا وتضع فوق رأسها طرحة سوداء كشفت عن شعرها، تضيف المرأة بينما تشير إلى ابنتيها: "أنا نادرة ندر أولع الشموع وأحني السبع بنات لو بناتي دول نجحوا في المدرسة". تتحدث السيدة بينما تقترب عربة "كارو" من السور المحيط بالقباب ويهم "العربجي" بإلقاء حمولتها من القمامة، إلا أن أحد سكان المنطقة ينهره، فيبتعد قليلا حتى يختفي عن نظره ثم يلقي بحمولته عند نهاية السور، تستكمل السيدة حديثها: "أنا بحبها هي ناقصها تنضف بس". اعتقاد أهل المنطقة بقدرة السبع بنات على تحقيق أمنياتهن، اعتبره دكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، "دين شعبي" يعتنقه البسطاء ويرتبط بتفسيرات دينية فقهية موضحا أن "من لا يستطيعون إتمام فريضة الحج لضيق اليد يحجون إلى تلك الأضرحة عوضا عنها". للتاريخ الممتد مزايا وعيوب، فمع العمق الحضاري الذي يخلفه في ذهن الشعوب، تتسلل إليه أيضا الخرافات الشعبية التي تنتقص من هيبته وعبقه.