قبلت الحكومة المصرية، في الاستعراض الدوري الشامل الأول لملفها الحقوقي أمام الأممالمتحدة في 2010، عددًا من التوصيات بشأن حرية تكوين الجمعيات. وجاءت التوصيات، في مجملها، تحث مصر على ضمان حرية تكوين الجمعيات، وإصلاح القانون 84 لسنة 2002، ووضع إجراءات بسيطة وسريعة وغير تمييزية ولا تخضع لتقدير السلطة الإدارية، ومتفقة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بإشهار الجمعيات. وقدم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في هذا الإطار، تقريره عن "الحق في حرية تكوين الجمعيات في السنوات الأربع الأخيرة"، ضمن عدد من التقارير الأخرى المُقدمَة من منظمات حقوقية مصرية مستقلة لمجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة، والمزمع استعراض الملف الحقوقي المصري أمامها للمرة الثانية في 5 نوفمبر الجاري، وتقييم مدى التزامها ووفائها بتعهداتها التي قطعتها على نفسها في الدورة الأولى من هذا الاستعراض في 2010. وتُقدِم منظمات المجتمع المدني المعنية بحالة حقوق الإنسان، تقاريرها ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل الأممية، إضافة إلى التقارير الحكومية، وتقارير الجهات الرسمية، وتقارير المقررين الخواص التابعين للأمم المتحدة، وتبقى هذه التقارير محل نظر ومراجعة مجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة، لحين نشرها قبيل عملية الاستعراض. يأتي هذا الاستعراض الحقوقي الثاني لمصر، قبل أيام من انتهاء المدة الزمنية المقررة في 10 نوفمبر، والتي منحتها الحكومة المصرية لمن أطلقت عليهم "كيانات غير مسجلة"، للدخول تحت مظلة قانون 84 لسنة 2002، ذلك القانون الذي سبق وتعهدت مصر بتعديل الكثير من مواده، وتنقيحه من بنود تخالف الدستور والمعايير الدولية لحرية تكوين الجمعيات، وتساهم في قمع ومحاصرة أنشطة المجتمع المدني. استعرض تقرير مركز القاهرة، في 8 صفحات، ما لحق بالعمل الأهلي من انتهاكات ومحاولات متتالية، لتأميمه وتكبيله من قبل الحكومات المتعاقبة على مصر خلال السنوات الأخيرة، تارةً بترسانة من القوانين القمعية وأخرى من خلال تضييقات إدارية، وحملات تشويه إعلامية، وأخيرًا اقتحام مقار بعض المنظمات الحقوقية، والتعدي بالفعل أو التهديد على المدافعين عن حقوق الإنسان. ينقسم تقرير مركز القاهرة، إلى قسمين، يركز الأول على تقييم الإطار التشريعي الذي يحكم العمل الأهلي في مصر، مؤكدًا أنه رغم أن دستور 2012 ودستور 2014 تضمنا تأسيس الجمعيات الأهلية بالإخطار، وعدم جواز حلها بموجب قرار السلطات التنفيذية، إلا أن المواد المتعلقة بكيفية تأسيس الجمعيات وحلها لم يتم إدخال التعديلات اللازمة عليها. وقال "بل على العكس فقد شهدت السنوات الأربع الماضية تقديم الحكومات المتعاقبة لأكثر من 5 مشروعات قوانين للمنظمات غير الحكومية، لا يتوافق أيها مع المعايير الدولية للحق في تكوين الجمعيات، بل إن أغلبها أشد قمعًا وتقييدًا للحق من القانون الحالي رقم 84 لسنة 2002، والذي أفرد له التقرير جزء خاص، مفندًا في 7 أسباب رئيسية، معوقات دخول الكيانات الأهلية تحت مظلته". وتطرق الجزء القانوني من تقرير مركز القاهرة لقانون العقوبات، الذي تضمن موادًا أشد قسوة، من حيث التجريم لبعض الأعمال التي تدخل في نطاق عمل الجمعيات، فيما ركز القسم الثاني على ممارسات وانتهاكات الحكومات المتعاقبة بحق حرية التنظيم، وبحق الجمعيات الأهلية، ومنظمات المجتمع المدني. وأشار القسم الثاني، إلى أن الأربع سنوات الماضية قد شهدت هجوم ضاري على المنظمات غير الحكومية، وصلت إلى حد اقتحام مقار 8 منظمات غير حكومية مصرية وأجنبية من قبل قوات الشرطة المدنية وقوات الجيش، وهو ما يعد منعطفًا في منتهى الخطورة، يكشف تطور علاقة الدولة بالحق في حرية التنظيم. كما أشار التقرير، إلى حملات تشويه المنظمات الحقوقية والتحقيق ومحاكمة المدافعين عن حقوق الإنسان، إذ أنه وحسب التقري، شهدت الفترة من شهر يوليو 2011 وحتى الآن، أسوأ حملة تلويث لسمعة المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، كما شهدت تلك الفترة الزج بالقضاء وتوظيفه سياسيًا للتخلص من الأصوات المعارضة، عن طريق التحقيق القضائي مع عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان، وإحالة عدد آخر إلى محكمة الجنايات، والحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين سنة مع إيقاف التنفيذ حتى خمس سنوات. يلفت تقرير مركز القاهرة، النظر إلى أن الهجوم على المنظمات غير الحكومية اتخذ منحى تصعيدي آخر، عن طريق الأمر بكشف سرية حسابات عدد من المنظمات الحقوقية، وعدد من النشطاء الحقوقيين، من ضمنهم مركز "القاهرة" مقدم التقرير ومدير المركز. كما أعلن وزير العدل عن تعيين اثنين من قضاة التحقيق، للنظر فيما عُرف بقضية "التمويل الأجنبي"، وشهدت فترة التحقيقات العديد من الانتهاكات القانونية، من بينها استخدام التحقيق كمنفذ آخر لتشويه سمعة منظمات حقوق الإنسان، عن طريق تسريب معلومات عن التحقيق في وسائل الإعلام القريبة من الإدارة الحاكمة في ذاك الوقت رغم أن مثل هذا الفعل مُجرَّم بموجب قانون العقوبات المصري، إضافة إلى حملة التشويه المستمرة من تلويث السمعة وإلقاء الاتهامات على منظمات المجتمع المدني بالعمالة لدول أجنبية، وخدمة أجندات ومصالح مموليها، بل ووصلت إلى حد إلقاء التهم عبر وسائل الإعلام بالخيانة العظمى.