"فرجينيا جميلة الجميلات" لم يكن ذلك لقبها فقط، بل كان وصفًا بسيطًا لرقتها وجمالها الأخاذ، الذي أضفى إليها جاذبية غير معتادة، جعلتها مختلفة عن فتيات جيلها، فضلًا عن أناقتها وتألقها، التي ورثتها عن عائلتها كون والدها من أشهر تجار الأقمشة في مصر، ولوالدتها تركية الأصل التي خلفتها في الجمال والجاذبية، ما فتح لها الباب على مصراعيه لدخول عالم السينما والتلفزيون، وتوجت فيه "ليلى فوزي" بملكة جمال السينما المصرية. ويصدف اليوم، ميلاد الفنانة الراحلة ليلى فوزي في عام 1918، أحد هوانم جاردن سيتي، كما كان دورها في المسلسل، حيث كانت بدايتها مع المخرج نيازي مصطفى في فيلم "مصنع الزوجات" عام 1941، ثم تعرف عليها المخرج محمد كريم، الذي قدمها للعمل مع الموسيقار محمد عبدالوهاب، الذي شاركت معه فيلم "ممنوع الحب"، ثم شاركته بطولة فيلم "رصاصة في القلب"، لتنطلق بعد ذلك في عالم الشهرة والنجومية، حيث تألقت في تجسيد أدوار الملكات والأرستقراطيات بجدارة، إلا أنها لمعت أيضًا في أدوار الشر، الذي كان آخرها في التلفزيون مسلسل "بعاد السنين" عام 2004، حيث بلغ الرصيد الفني للفنانة حوالي 85 فيلمًا سينمائيًا و40 مسلسلًا تليفزيونيًا، قبل أن تتوفى في 12 يناير 2005 بمستشفى دار الفؤاد بالقاهرة عن عمر يناهز 80 عامًا، إثر صراع مع أمراض الشيخوخة. وكان آخر حواراتها الصحفية في عام 2004، لإحدى الصحف الخليجية، أي قبل عام من وافتها الذي كشفت فيه أنها دخلت السينما بالمصادفة، ولم يكن يجذبها هذا العالم، حتى تزوجت بالفنان الراحل أنور وجدي، وإلى نص الحوار: * لنبدأ من البداية.. كيف كانت طفولتك؟ كان والدي رحمة الله عليه يمتلك بعض محلات لبيع الأقمشة في الشام وتركيا وكذلك في مصر، ومن خلال تردده على تركيا لمتابعة تجارته تعرَّف على والدتي وتم الزواج بينهما بسرعة وثمرة هذا الزواج كنت أنا وكنت أتردد أثناء طفولتي ودراستي بالابتدائية على متجر والدي بشارع (الموسكي) بالقاهرة فأقضي وقتًا طويلًا معه، ولأنني كنت هادئة ولست شقية مثل بقية الأطفال لم يكن والدي يغضب من زيارتي المطولة، بل بالعكس، يبدو سعيداً جداً بوجودي معه. * وكيف كانت خطواتك الأولى مع الفن؟ الصدفة وحدها لعبت دورًا كبيرًا في دخولي عالم الفن وأنا طفلة، فقد كان لوالدي صديق يعمل بنفس مجاله وصديقه هذا هو والد المخرج جمال مدكور الذي أخرج العديد من الأعمال السينمائية الكبيرة في هذه الفترة، وكان (جمال) يتردد أيضًا على والده في المتجر المجاور لمتجر والدي وشاهدني وتذكر أن المخرج نيازي مصطفى كان يبحث عن طفلة ذات ملامح خاصة لتعمل في فيلم اسمه (مصنع الزوجات) بطولة زوجته كوكا والبطل هو الفنان محمود ذو الفقار فعرض الأمر على أبي الذي لم يعارض لكوني طفلة، ومن منطلق أنها لعبة مسلية وبالفعل توجهت معه لأستوديو مصر ووقفت لأؤدي ما يطلبه مني المخرج نيازي مصطفى مع مجموعة من البنات الصغيرات في مثل سني تقريباً. وكان لهذه التجربة تأثير عميق لأقصى درجة رغم عمري الصغير، فشعرت بحب شديد للعمل وأيقنت منذ هذا اليوم أن هذا هو طريقي ومجالي. * وما هو أطرف موقف حدث لك في هذا الوقت؟ ذات يوم هربت من أمام عبدالوهاب، وتركت الاستوديو كاملًا في أول يوم تصوير وراح العمال والفنانون يجرون خلفي ليلحقوا بي دون جدوى، حتى ذهبت للمنزل ووجدت والدي يبحث عني بعد أن أخبروه في الأستوديو بهروبي، وقام بإعادتي وظللت أبكي وهم يحيطون بي وأغلقوا باب الأستوديو حتى لا تتكرر عملية هروبي، وكلما تذكرت هذا اليوم أضحك بشدة لطرافة الموقف وشكل العمال والفنيين وهم يحيطون بي بناء على طلب المخرج محمد كريم الذي هددهم بالخصم والفصل إذا هربت منهم مرة ثانية. وشعرت زوجة المخرج محمد كريم وهي ألمانية وكانت تعمل كمساعدة له بخوفي الشديد، فذهبت لعبد الوهاب وطالبته بضرورة إزالة هذا الخوف قبل أن أقف إلى جواره أثناء التصوير، فوجدته يقترب مني وهو يحمل ورقة متظاهراً بأنه يسعى لحفظ دوره وسألني إذا كنت قد حفظت دوري أم لا ولم تخرج الكلمات من فمي، فضحك ضحكته الشهيرة ووضع ذراعه على كتفي وهو يقول: إيه رأيك نحفظ سويًا بدل ما يضحكوا علينا الجماعة الموجودين دول. * لنترك الفن مؤقتًا لنتحدث عن حياتك الشخصية والعاطفية؟ أول رجل أحببته ودق قلبي له بعنف هو أنور وجدي منذ أن تعرَّفت عليه في فيلم (من الجاني) أول عمل جمعني به. *وما هو الموقف الذي دفع بقلبك نحوه؟ لقد كان بدأ يثبت وجوده على الساحة، وكنت معجبة بأناقته وطريقة كلامه وبعد عملي معه وجدته لطيفًا جدًا والمفاجأة أنه سعى للفت نظري نحوه، أما الموقف الأساسي الذي جعل قلبي يتعلَّق به حينما سعى أحد الممثلين العاملين معنا لمغازلتي فتدخل هو ولقنه علقة ساخنة واكتشفت بعد ذلك أن هذا كان بتدبير منه لكي يلفت نظري وقد نجح بالفعل في ذلك ولم يكن مثل هذا الأمر المتعلق باستئجار شخص ليقوم بهذا الدور قد قدم على شريط السينما من قبل، وبعد أن شاعت الحكاية وما فعله (أنور) تكرر هذا المشهد في العديد من الأفلام السينمائية فيما بعد. *وكيف تطورت قصتك مع أنور وجدي؟ بعد فترة قصيرة من التعارف أكد لي أنه لا يستطيع الابتعاد عني وتقدَّم لخطبتي فقال له والدي إن ابنتي لا تزال صغيرة على الزواج وكرر (أنور) المحاولة مرة ثانية ووجد نفس الرد وفي المحاولة الثالثة جاء وقال لأبي: (أنا حاسس أن حضرتك رافضني تمامًا.. يا ترى ممكن أعرف أيه السبب؟) فقال له والدي بالنص: لأنك ولد لعبي وسمعتك سيئة وأنا لا أثق فيك زوجًا لابنتي، لقد كانت كلمات أبي له قاسية جدًا فشعر بإحراج شديد وانصرف غاضبًا. *وهل مررت عبر رحلتك مع الحياة والفن بمواقف شعرت حيالها بالفشل؟ نعم، هناك سقطات وقعت فيها وهذه السقطات تعرض لها كل النجوم ليس في مصر أو العالم العربي فقط، بل في العالم أجمع، فشعرت بسببها بالخجل من نفسي واندهشت لقبولي هذه الأعمال والحمد لله أنها ليست كثيرة. *كان الزوج الثالث الذي دخل حياتك هو الإذاعي الكبير جلال معوض كيف تم التعارف بينكما؟ لقد تم التعارف من خلال حفلات (أضواء المدينة) التي كان يشرف عليها ويقيمها للإذاعة فقد فوجئت به يتصل بي من أجل الظهور في هذه الحفلات لتقديم الفنانين قبل ظهورهم على المسرح وكنت أعتذر دائماً لأنني لم أواجه الجماهير من قبل بهذا الشكل حتى فوجئت ذات يوم بعبد الحليم حافظ يتصل بي ويطلب مني تقديمه في إحدى هذه الحفلات، واعتذرت في البداية إلا أن عبد الحليم ظل يلاحقني حتى وافقت وذهبت وكنت مترددة جداً واستقبلتني الجماهير بحرارة مما زاد من ارتباكي، ووصل الأمر إلى أنني أخطأت في اسم محرم فؤاد الذي بدأ فقرته قبل عبد الحليم ومنذ هذا الحفل بدأت الاتصالات واللقاءات بيني وبين جلال معوض خاصة في حفلات الوسط الفني. *ما زلت حتى اليوم تعيشين في الشقة التي ارتبطت فيها بجلال معوض فما هي المواقف التي تذكرك به وأنت في هذا المكان؟ لقد عشت مع هذا الرجل سنوات طويلة من عمري وتزوجته عن اقتناع كامل وتفاهم وحب ازداد وتضاعف بعد الزواج لأنني وجدت فيه رجلاً عظيماً وتعلمت منه الكثير عبر رحلة حياتنا وله مواقف معي لا يمكن أن أنساها ما حييت ولهذا فإن كل ركن في هذه الشقة ما زال يذكِّرني به حتى اليوم فأتشمم رائحته في المكان وأشعر بوجوده إلى جواري وأتذكر نصائحه في كل أعمالي الفنية، لقد جعلني هذا الرجل أعيش إنسانيتي في كل لحظة. *حظيت ليلى فوزي على حب الجمهور عبر تاريخها الطويل فما هي أطرف المواقف التي تذكرينها في هذا الصدد؟ رد فعل الجمهور تجاهي بعد عرض فيلم بور سعيد الذي قدمت فيه شخصية عميلة للإنجليز والفرنسيين وجدت الجمهور بعد العرض يثور ويرغب في النيل مني وحاولوا ضربي عقاباً لي وجرحت بالفعل في كتفي ولولا تدخل الأمن وإخراجي لحدث ما لا تحمد عقباه، ولكنني كنت سعيدة جداً لأن معنى هذا إتقاني لدوري وهو نفسه ما حدث بعد عرض فيلم (الناصر صلاح الدين) الذي قدمت فيه فرجيينا جميلة الجميلات وهي الشخصية الشريرة جداً التي من المؤكد حفظتموها عن ظهر قلب، فقد تعرضت لثورة وغضب الجمهور أيضاً ولكن بعد هذا ظل لقب جميلة الجميلات ملازماً لي سنوات طويلة. * بعد مشاركتك في بطولة فيلم (ضربة شمس) مع نور الشريف ونورا عام 1979 أعلنت اعتزالك للسينما وابتعدت عنها بالفعل منذ هذا الوقت فما هي المواقف التي دفعتك لهذا؟ في هذه الفترة طفت على السطح نوعية من الأفلام التي لم نعتدها من قبل مثل أفلام المقاولات والمخدرات والتي جاءت في عصر الانفتاح وعرضت على أدوار عديدة رفضتها دون أي مناقشة لأنني شعرت أنني أهين نفسي إذا عملت به وسأضر بتاريخي بأكمله فقررت الابتعاد. * وهل لهذه الأسباب انتقلت بشخصية السيدة الأرستقراطية للدراما التليفزيونية؟ أنا لم أسع لهذا ولكن السيناريوهات التي عرضت علي وجدتها جيدة وتحترم اسمي وتاريخي ومن هذا المنطلق وافقت على العمل في عدد كبير من المسلسلات مثل (الحرملك) و(أبو العلا 90) و(لما التعلب فات) و(هوانم جاردن سيتي) بجزأيه وغير هذا. * عبر مشوارك الفني الطويل من هم الأشخاص الذين تأثرت بهم؟ أنا تأثرت في حياتي بالكثيرين ابتداءً بعبد الوهاب ومحمد كريم ومروراً بأنور وجدي وقبله عزيز عثمان، وفي مرحلة فنية أخرى بيوسف شاهين وكمال الشيخ وجلال معوض، وأنا مدينة بالفضل لكل من علَّموني فلم أعد مجرد (دمية) جميلة، بل فنانة تعرف معنى الفن الحقيقي.