سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنى سويف: الثأر «شر لا بد منه».. وبيع الأرض ل«شراء السلاح» الأهالى: لازم ناخد الدم ولو مر عليه سنين.. والمحكمون: تغليظ العقوبات والعدالة الناجزة يحلان المشكلة
«الثأر شر لا بد منه»، هكذا قال «محمود. أ»، أحد كبار العائلات ببنى سويف ممن أصابهم فيروس الثأر، مضيفاً: «أصحاب الدم ماينفعش يرفعوا راسهم إلا لما ياخدوا بدمهم ولو بعد سنين، وفى تلك الفترة نعيش أسوأ أيامنا حتى تحين لحظة الأخذ بالثأر، وقتها نقوم بإطلاق النيران، فرحاً وابتهاجاً بعودة حقنا»، مضيفاً «ناس كتيرة بتبيع أراضيها لشراء السلاح للأخذ بالثأر، وناس تقعد عمرها كله تشتغل عشان تجيبه أو تؤجر حد ياخد بثأرها». «تغليظ العقوبات فى قضايا الثأر حل رئيسى»، مقترح تقدم به الحاج فؤاد على يونس، أحد كبار العائلات والمحكّمين بالجلسات العرفية، قائلاً: «لو غلظنا العقوبات على القاتل وضمن أصحاب الدم وأهالى المجنى عليه أن مصير القاتل هو الإعدام، وفى وقت قصير، وقتها يمكن أن تبرد نارهم، ولا يتجهون إلى الأخذ بالثأر»، وأضاف: «أوقات كثيرة يتأخر صدور الأحكام القضائية، وهو ما لا يتحمّله صاحب الدم ويتجه لأخذ حقه بيده، وأوقات أخرى يحكم القاضى بما لديه من أوراق ومستندات تبرئ الجانى أو تخفف الحكم، ونبقى فى المشكلة لوقت طويل». وعن جلسات الصلح العرفية يقول الحاج فؤاد «إحنا بنعمل اللى علينا وبنقعد مع الطرفين وبناخد ضمانات منهم بعدم تعدى أى منهم على الآخر، لكن مش كل الجلسات بتنجح وبتنتهى بأخد صاحب الدم حقه، وساعتها بتعقد جلسة تانية، وفيها أحكام وشروط تانية، وفيه أوقات كتيرة أصحاب الدم بيقبلوا الدية التى تصل لأكثر من 500 ألف جنيه، وتختلف من منطقة إلى أخرى، خصوصاً إذا كان الجانى غير متعمّد القتل». وعن أغرب قضايا الثأر ببنى سويف وأشدها قسوة، التى كانت بمركز ببا جنوب المحافظة، حينما قام شقيقان بأخذ ثأرهما من قاتل شقيقهما بعد خطفه هو ووالدته وتوثيقهما فى عمود إنارة على مدخل قريتهما بمنشأة كساب، وتعرية الأم وحلق شعرها أمام أعين نجلها ثم قتل الابن بوابل من الرصاص، كنوع من إثبات قوة العائلة. ونجحت الأجهزة الأمنية فى أسيوط وبنى سويف، بالتعاون مع مشايخ الأوقاف والأزهر والمحكمين العرفيين فى إنهاء خصومة ثأرية بين عائلة «البراغتة» بقرية الميمون، التابعة لمركز الواسطى بمحافظة بنى سويف، وعائلة السلاطنة بقرية «تتاليا»، التابعة لمركز القوصية بمحافظة أسيوط، بعد عقد جلسة صلح عرفية داخل النادى الرياضى بقرية الميمون. وبحضور 4 آلاف شخص من أهالى الطرفين وبتأمين من قوات الأمن، التى قامت بفرض حراسة مشدّدة حول مدخل القرية، حتى نادى الميمون الرياضى. وشهدت وقتها جلسة الصلح قيام أهل القاتل من عائلة السلاطنة بتقديم «الكفن» إلى عائلة البراغتة، حيث قام خالد صلاح إبراهيم، 38 سنة، شقيق الجانى من عائلة السلاطنة بأسيوط بتقديم الكفن إلى محمد حسن إبراهيم، والد المجنى عليه «محمود» من عائلة البراغتة ببنى سويف، والذى أعلن أمام الآلاف أنه تقبل الكفن حقناً للدماء، وأن تركه للجانى ابتغاءً لمرضاة الله سبحانه وتعالى وتم ذبح عجل وسط السرادق، ابتهاجاً بحقن الدماء. وخلّف مصرع ثلاثة أشخاص بينهم ربة منزل، وإصابة 22 آخرين، فى اشتباكات بالأسلحة النارية والخرطوش، الأسبوع الماضى بين عائلتى «خلف» و«البراهمة»، بقرية نزلة خلف، التابعة لمركز إهناسيا بمحافظة بنى سويف، وقعاً قوياً. ووقعت الأحداث بسبب سقوط أحد الألعاب النارية أمام منزل إحدى أفراد العائلتين، فحاول كل طرف منهما الثأر لذويه وغاب طلاب المدارس عن مدارسهم وما زالت قوات الشرطة تطوّق القرية، خوفاً من تجدد الاشتباكات مرة أخرى. الدكتور جمال عبدالمطلب، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة بنى سويف، يرى أن قضية الثأر شائكة للغاية، لكن أسبابها معلومة وحلولها بسيطة لمن يرغب فى حلها، فالمجتمع بصفة عامة أغلبه، إما ريفى وإما بدوى يجنح بطبيعته إلى العصبية والقبلية، وهو ما يُعرف بالعائلة فى الريف والبدنة فى البدو، ويؤكد أن من أهم أسباب الثأر، اعتداد المصريين بفكرة العصبية القبيلة، التى تدفع إلى الوصول للطرق غير المباشرة، خصوصاً مع انتشار الجهل والأمية والأخذ بحقهم، وعدم الاحتكام للطرق المباشرة والقانونية، وتأخر ما يُعرف باسم العدالة الناجزة، وإجراءات التقاضى فى القصاص للقتيل، على الرغم من اعتراف القاتل والشهود، بالإضافة إلى تقلص قوة المجالس العرفية، وكبار العائلات، وهو ما كان يُعرف قديماً ب«مجالس الحكماء» وتحلحلها مع زيادة عدد السكان، وخروج أبناء العائلات على كبار عائلاتهم وعدم السيطرة عليهم، وانخفاض دور التدابير الاحترازية (الإجراءات الشرطية)، على الرغم من كثرة مهامهم، إلا أن قضايا الثأر تتطلب فرض كردون أمنى والفصل السريع بين العائلات المتشاجرة، بالإضافة إلى عدم الفهم الجيد للخطاب الدينى، خصوصاً فى قضايا الأخذ بالثأر، وعدم الاتجاه إلى أولى الأمر، وهى الدولة وسيادة القانون. وعن كيفية علاج قضايا الثأر، يرى «عبدالمطلب» أن للإعلام دوراً مهماً، فى وضع قضايا الثأر فى ثوبها الحقيقى، والابتعاد عن الأدوار التى نراها فى المسلسلات والأفلام من تمثيل دور الشخص الذى يثأر لنفسه على أنه بطل، والتنشئة الاجتماعية الصحيحة، ونبذ فكرة العنف التى نعلّمها لأولادنا، حيث يقوم أغلبنا بحض الأطفال منذ الصغر على أخذ حقه بيده، والدفع بخطباء مؤهلين دينياً وثقافياً بالقرى، الذين يفسرون القرآن بشكل صحيح، والبعد عن خطباء الكراهية والعنف، بالإضافة إلى عودة ما يُعرف بعسكرى «الدرك» أو الشرطة المترجلة بين المواطنين، لبث الطمأنينة، وتأكيد وجود الأمن بين المواطنين، وقد تمنع الجريمة قبل حدوثها. من جانبه، يقول اللواء زكريا أبوزينة، مدير إدارة البحث الجنائى بمديرية أمن بنى سويف، إن الأجهزة الأمنية لا تدخر جهداً فى فض الاشتباكات بين العائلات وضبط أطراف المشاجرة، بالإضافة إلى عقد المصالحات بينهم وإنهاء الخصومة، لافتاً إلى نجاح المديرية فى حل كثير من قضايا الثأر، وآخرها تقديم الدية والكفن بين أبناء عمومة عائلة «المغربى» بقرية «الحومة» التابعة لمركز الواسطى شمال المحافظة. وأكد «أبوزينة» أهمية تكاتف الجميع من أجل القضاء على الثأر فى الصعيد، خصوصاً أجهزة الإعلام، ورجال الدين وكبار العائلات والوقوف يداً واحدة للقضاء على تلك الظاهرة.