أيام قليلة مضت بعد زيارة الرئيس السيسى للأمم المتحدة فى نيويورك، جئت بعدها إلى العاصمة الأمريكيةواشنطن لتغطية الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين. بقدر فرحتى بما لقيه الوفد المصرى من تقدير وترحاب، بقدر صدمتى فى إصرار بعض الصحف الأمريكية على توجيه سهام النقد لمصر، واصفة ثورة الثلاثين من يونيو بالانقلاب. تلك النقطة الأخيرة رددنا عليها أكثر من مرة، وهو ما رسخ فى نفسى ونفوس الآخرين شعوراً بتعمد تجاهل الملايين التى نزلت إلى الشوارع. لا أريد هنا أن أخاطبنا، نحن المصريين، لأننا نعلم الحقيقة، لكننى أخاطب هيئة الاستعلامات وأجهزة الدولة التى يجب أن تجد شركة علاقات عامة فعالة فى الخارج للقضاء على تلك الصورة الذهنية تماماً فى أعين الغرب. لكن ما لفت انتباهى فى مقال نُشر مؤخراً فى «النيويورك تايمز»، وهى الصحيفة المؤثرة والأوسع انتشاراً والتى يزور موقعها شهرياً الملايين لمتابعة الأخبار، لفت نظرى فى تقرير أرسله مراسلان للصحيفة من مصر هو أنهما التقطا ما قاله إعلاميون مصريون عن زيارة الرئيس للأمم المتحدة وخلصوا من تعليقات هؤلاء الإعلاميين أن سلطة السيسى تخطت عبدالناصر والسادات ومبارك مجتمعين. الجمله الأبرز كانت لأحد مقدمى التوك شو الذى وصف النجاح الذى حققته الرئاسة المصرية فى رحلة نيويورك -بدعم عربى واحتياج غربى دفين للمصريين فى الحرب على الإرهاب- وصفه بالقول أن الأممالمتحدة كانت عروساً والسيسى كان العريس الذى زفت إليه. هذه الجمل التى لا يمكن للغرب تفهمها -ولا أتفق أنا معها شخصياً- تضر ولا تنفع. تضر فقط. تظهر ما يراه الغرب تزلفاً ورياء لرئيس أرى أنه الأفضل، لأنه «فاهم»، و«عاوز»، و«قادر». نعم، الرئيس السيسى «فاهم» لاحتياجات مصر ولحجم مشاكلها و«عاوز» يعمل المطلوب عمله لوضع مصر فى مكانتها الطبيعية والارتقاء بها اقتصادياً وعلى صُعد أخرى و«قادر» على الإنجاز إن أعانه الناس وتعاونوا معه بسلوك عام فى الحياة وبمفهوم صحيح للعمل يقترن بالإنجاز، وليس الذهاب إلى الشغل صباحاً، والعودة مساء بغض النظر عما تحقق وما أنجز. وهنا يجب النظر إلى جوانب الرحلة الأخيرة للرئيس وتحليلها بشكل يحترم عقول الناس وعدم اللجوء -فى شأن دولى وجهد محترم كهذا من الإدارة المصرية- إلى وصفه بأوصاف «اللى قاعدين على المصطبة». المواطن المصرى أذكى من أذكى وأفضل مقدمى البرامج والمتقعرين والمتفذلكين. ذات يوم كنت أسجل مقابلات مع مواطنين فى الشارع تعليقاً على الحكم بإعدام صدام حسين. كان هناك مواطن ريفى يحمل مشنة ويرتدى جلباباً وعمامة وبلغة، يحوم حولى وعيناه تشيان برغبة جارفة فى التسجيل. فقررت التسجيل معه رغم شكى فى إمكانية أن يصلح تصريحه للبث. لكن الرجل فاجأنى حينما علق على الحكم، قائلاً إنه لا شك فى مسئولية صدام عن معاناة أهله وناسه لكن هناك ازدواجية دولية، لأن الغرب لم يتعامل بنفس الشكل مع الجنرال بينوشيه فى شيلى واكتفت المحكمة بوضعه قيد الإقامة الجبرية. قالها بألفاظ بسيطة وربما اختلط عليه الأمر فى أن بينوشيه أرجنتينى وليس من شيلى لكنه استطاع وضع يده على العوار والتحيز من اللحظة الأولى. تلك هى الفطرة السليمة التى يعيش بها المصريون حتى إن عانوا من عدم التعليم. وهؤلاء هم من يشاهدون المتفذلكين والمتقعرين ويضحكون عليهم، لأنه أراجوزات ليس لأنهم فاهمين وحيفهموا الناس. كفاية بقى «عريتونا». وعلى فكرة الرئيس لا يطلب من أحد فى الإعلام شيئاً إلا حسن التعبير والأخلاق فى التعامل مع الأمور بدقة وحرفية. عشان كده حضراتكم بتضروه مش بتساعدوه. ارحموه.