أكبر دليل على سذاجة «إرهابيى 25 يناير» ونزقهم -خلافاً لفساد «اللبن الثورى» الذى أرضعته لهم عصابة الإخوان فى «التحرير»- أنهم لا يجدون رداً على كل مقال أكتبه وأهاجم فيه مؤامرتهم القذرة.. سوى استدعاء فقرات أو مقالات كاملة كنت كتبتها فى جريدة «المصرى اليوم» خلال الفترة من 2006 إلى 2011 ضد الرئيس مبارك «شخصياً»، وأخرى أحيى فيها ما كان يسمى فى الأيام الأولى «ثورة 25 يناير»، وكان بعضها من الحدة و«الإزعاج» بحيث يتساءل هؤلاء «الثوريين الرضع» الآن: كيف تهاجم «ثورة نبيلة» أطاحت بالرجل الذى لم تدخر وسعاً فى إهانته والسخرية منه، وكنت واحداً ممن أشادوا بهذه «الثورة» وبالشبان الذين تصر على وصفهم بالمرتزقة والعملاء وأطفال الشوارع؟! لن أدخل فى التفاصيل: لماذا أتشبث بأنها «مؤامرة» وليست «ثورة»؟.. فهؤلاء الإرهابيون -وعلى رأسهم الإخوانى القطرى التركى الإيرانى ال«هويدى» ال«فهمى»، كبير كهنة «منصة رابعة» (جريدة الشروق سابقاً)- يعرفون أكثر من غيرهم «كواليس» ما جرى قبل وبعد هذا اليوم المشئوم. ويعرفون أن أصحاب النوايا الطيبة ممن نزلوا إلى الشوارع والميادين فى ذلك الوقت أدركوا خطأهم بسرعة وصححوا مواقفهم ب«ثورة حقيقية» فى 30 يونيو.. ثورة مصرية خالصة: لا فيها مخابرات إقليمية ودولية، ولا فيها تمويل أجنبى، ولا فيها نشطاء تدربوا مسبقاً على إسقاط الدولة. كما يعرف هؤلاء الإرهابيون أن هذه «النبيلة» لم تكن ثورة ولا يحزنون، فلا هى أسقطت نظام مبارك، ولا عصابة الإخوان سمحت لهم باقتسام الغنيمة معها، والنتيجة أنهم «تيتموا» مبكراً وأحسوا أنهم خرجوا من المولد بلا حمص، فلم يعد لديهم سوى أن يتشبثوا بسيرة «المرحومة» ويولولوا عليها وهم لا يصدقون أنها ماتت وتحللت وأصبحت رميماً. وكلما ذكرها أحد بانتقاد أو سوء.. انتفضوا وهاجوا و«قلوا أدبهم» وتحولوا -بفعل وقوفهم مع عصابة الإخوان فى الخندق نفسه- إلى «إرهابيين».. وأنا شخصياً ألتمس لهم بعض العذر، فلو أن أحداً قال لى على سبيل الدعابة: «أمك اسمها نبيلة».. سأمزقه وأحمّره وأتبّله وأعبئه فى علب ك«فراخ كنتاكى».. أوزعها رحمة على روح المرحومة! أما لماذا غيّرت موقفى من عداء لمبارك ونظامه إلى عداء ل«النبيلة» رحمها الله، فهذا أمر يخصنى، ولست فى موقف تبرير أو دفاع. ومع ذلك أقول إننى كنت مع إزاحة نظام مبارك، وكنت -بشهادة هؤلاء الإرهابيين- سافراً فى عدائى لهذا النظام، وعلى هذا الأساس فرحت بما جرى فى 25 يناير كأى مصرى محب لبلده. وعندما بدأت تجرى فى النهر مياه أخرى وكشفت الأيام عن أن الهدف لم يكن إزاحة مبارك ونظامه، بل إسقاط «الدولة»، غيرت موقفى، دون أن أغفر لمبارك أن نظامه كان فاسداً وقمعياً. ومع وصول عصابة الإخوان إلى الحكم- بانتخابات مشكوك فى نزاهتها- واصطفاف يتامى 25 يناير حول رئيسها الخائن محمد مرسى، رغم أن هذا الخائن وعصابته الإرهابية هم الذين قتلوا «نبيلة» واستولوا على عيشها وحريتها وعدالتها وكرامتها، أدركنا جميعاً أن «الدولة المصرية» فى خطر، وأن فساد نظام مبارك وقمع «حبيبه العادلى» أهون كثيراً من فاشية الإخوان وخيانة نظامهم، وسمع المصريون من يقول بينهم: «ولا يوم من أيامك». ثم غار الإخوان وحكمهم البغيض فى 30 يونيو، وبدأ المستور ينكشف، وانهالت الخبايا والأسرار على رؤوس المصريين. وما زالت المعلومات تتواتر حتى الآن، بحيث لم يعد ثمة شك فى أن ما جرى قبل وبعد 25 يناير «مؤامرة» لإسقاط «الدولة»، وانظر حولك: إلى العراق وليبيا وسوريا واليمن. هؤلاء الثوريون الرضع لا ينظرون حولهم ولا يخجلون من الدور الحقير الذى لعبته «ثورتهم النبيلة»: سنتان ونصف السنة تركت خراباً وفوضى وانفلاتاً لا يقل -كماً ونوعاً- عما ترك مبارك بعد ثلاثين عاماً من حكمه. ومع ذلك عادوا إلى ممارسة إرهابهم وكأنهم «ماسكين على البلد زلة».. كأنهم -يا أخى- أغلبية، مع أنهم أقل عدداً وتأثيراً من أن يملأوا مدرجات ملعب كرة خماسية!. يندفع بعضهم إلى بكابورت «تويتر»، حيث يتخفى كل منهم وراء اسم حركى أو صورة افتراضية، ثم يغرف من غائطه الثورى ما تيسر، ويلقيه على المخالفين له فى الرأى سيلاً من السباب والطعن وشتائم بالأب والأم.. وهذا طبيعى، لأنهم امتداد لأخلاق «المرحومة نبيلة». والبعض الآخر يستغل وجود ملفات سوداء لكثير من الإعلاميين -الذين كانوا نجوماً فى عصر مبارك بالأخص، وانقلبوا عليه- ليظهروا فى فضائيات يملكها رجال أعمال مبارك، مع أن مبارك ونظامه ورجال أعماله لا يمثلون فقط «عقدة» لهؤلاء الثوريين الرضع، بل «ثأراً» خاصاً أعمى بصيرتهم وجعلهم ك«المنبت»: لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. وبلغ إرهابهم أن عدداً منهم قدم مؤخراً بلاغاً للنائب العام ضد خمسة إعلاميين يتهمهم فيه بتشويه سيرة «المرحومة» ووصفها ب«المؤامرة»، لكن الطامة الكبرى أن يمارس هؤلاء الثوريون الرضع إرهابهم ضد الدولة نفسها. الدولة -بجلالة قدرها- تنافقهم وتسترضيهم وتحسس على مشاعرهم كما لو كانوا «يتامى» بجد وليسوا عملاء ومرتزقة!. الدولة التى كنا نتوقعها فى مستوى طموح المواطن العادى -حيث لا مكان لتصفية حسابات أو نبش فى قبور- بدأت ترضخ لإرهابيى 25 يناير، وتستجيب لابتزازهم، حتى إن احتفالها بالذكرى 41 لانتصارات أكتوبر.. خلا من اسم قائد سلاح الطيران فى هذه الحرب: محمد حسنى مبارك. ولا أظن أن أخطاء الرجل السياسية يمكن أن تكون مبرراً لهذا الجحود!. وإذا كان لنا أن نحاسب رئيساً بسبب أخطائه السياسية.. فالأولى أن نحاسب صاحب قرار الحرب نفسه: الرئيس الراحل أنور السادات، فهو الذى أقحم السياسة فى هذه الحرب فأفسدها كإنجاز عسكرى غير مسبوق، ودفع حياته ثمناً لهذه الأخطاء. أما لماذا تجاهلت الدولة تكريم مبارك فى ذكرى انتصار كان واحداً من قادته العظام.. فليس له سوى مبرر واحد، هو ابتزاز إرهابيى 25 يناير، وإلحاحهم على أن «نظام 30 يونيو» سيعيد إنتاج دولة مبارك!. وفضلاً عن أن التاريخ لا يعود إلى الوراء فإنها مجرد «وساوس» من لديه «ثأر»، ويريد أن «يتغدى» بخصمه.. قبل أن «يتعشى» به.