مع قرب المواسم والأعياد الدينية ينشط «بيزنس التبرع» مستغلاً هوس بعض من يملكون بإلقاء صدقاتهم لأول عابر سبيل يطرق بابهم، أو أقرب يد تمتد إليهم. لا يفصلنا عن عيد الأضحى المبارك سوى بضعة أيام، وموضوع البيزنس الآن أصبح «الخروف». الإعلانات تحاصر الناس فى كل اتجاه فى التليفزيون والطرق وواجهات المبانى: «اشتر صَّك الأضحية»، تبرع بجلد الذبيحة أو فرائها.. نحن نيسر لك طريقاً إلى الجنة.. وقس على ذلك!. الطريف فى الأمر هو الإلحاح على حكاية طريق الجنة الذى سوف يفرش لك بالورود والرياحين، بمجرد أن تتنازل عن الأضحية وتدفع ثمنها إذا لم تذبح، أو جلدها أو فروها إذا ذبحت، لمن يتولون «البيزنس»، سواء كان القائم على ذلك جمعية خيرية أو أحد المساجد أو غيرهما. ووجه الطرافة يرتبط بحكاية «صك الأضحية». فما حاجة من يدفع لهذه الجمعية أو تلك ثمن الخروف أو العجل البقرى أو البقرة التى كان ينوى ذبحها للحصول على صك، ألم يفعل ذلك مرضاة لله تعالى؟ الله مطلِّع على عباده، ويعلم أن فلاناً دفع، فما الحاجة إلى الحصول على الصك إلا أن يكون إحدى الوريقات المطلوبة لدخول الجنة؟!. البعض يفضل أن «يمشِّيها دفع»، ويمارس ذلك كنوع من «البيزنس» أيضاً. فأسعار الخراف والأبقار والعجول القائمة «عدَّت البراميل وأصبحت نار»، ولا يستطيع مواطن أن يشترى خروفاً هذه الأيام بأقل من 2000 جنيه. المواطن «الفهلوى» يرفع شعار: «ليه تدفع أكتر ما دام ممكن تدفع أقل؟!». فما الداعى لدفع «باكوين صحاح» فى خروف وبإمكانه شراء الصَّك بألف فقط؟!. ويبدو أن القائمين على «بيزنس التبرع» خبثاء ويفهمون نفسية البعض جيداً ويلعبون على وتر الرغبة فى التوفير، خصوصاً أن الأضحية إذا تم توزيعها شرعاً سيذهب أغلبها خارج بيت من ذبح، وبالتالى لن تصب فى خانة «بقرة الاستهلاك»، تلك البقرة الأكثر قداسة فى حياة الكثيرين. وما دام «الصَّك» فى «جيب المواطن مننا يبقى كله تمام»، ولا خوف على من يحمله «ولا يحزنون»!. الأضحية أيها «المتبرعون» شعيرة دينية، ومن السُنَّة أن يقف المُضحِّى على ذبيحته، وأن يوزع منها -طبقاً لما قالت به السُنَّة- على الفقراء والأقارب والأهل وعلى نفسه أيضاً، أما قصة الصَّك فهى تضحية من النوع «الافتراضى»، وهى تتناقض مع مفهوم الشعيرة، ذلك على فرض أن من يجمعون ثمنها ويصدرون صكوكها أو يبيعون جلدها وفراءها سوف ينفقونها على من يستحق، ولم يطبقوا قاعدة: أولى بمال هذه الصدقات القائمون عليها والمؤلَّفة قلوبهم، وينسون الفقراء والمساكين وعابرى السبيل والفئات الأخرى التى تحل عليها الزكاة. الأضحية شعيرة لا يعوضها «الصَّك»، والله تعالى يقول: «لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبَّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ». فاللحم والدم لا بد أن يكون حاضراً فى الموضوع وليس «الصَّك».. «الصَّك» لمن يحبون «السَّك»!.