اليوم يوم المحكمة، اليوم تصدر هيئة المحكمة، التى يترأسها المستشار «محمود الرشيدى» حكمها فى «قضية القرن»، الكلمة التى سوف ينطق بها القاضى اليوم لن تحدد فقط مصير متهمين، بل مصير ثورة، وقد لا أبالغ إذا قلت ومصير وطن أيضاً. هذا الحكم يحمل فى أحشائه الكثير والكثير، لذلك ينتظره الجميع. تعالوا نضع الاحتمالات الممكنة للحكم الذى سيصدر ونحاول قراءة تداعياتها السياسية: أولاً- الحكم ببراءة «مبارك» ورجاله يعنى حكماً قضائياً بإدانة ثورة يناير، ودمغها بأنها كانت مؤامرة على شعب ووطن، وليس من باب السخرية أن نقول إن على ال18 مليوناً الذين انسالوا إلى شوارع وميادين مصر ولم يتركوها حتى تنحى «مبارك» تسليم أنفسهم إلى الجهات المختصة حتى تتم محاكمتهم على المؤامرة التى حاكوها أو شاركوا فيها ضد وطنهم. قد تكون سابقة قضائية مثيرة أن تحاكم كل هذه الملايين، لكن العدل لا بد أن يأخذ مجراه فى النهاية، فتبرئة «مبارك» تعنى أن هذا البلد يتسكع فيه ملايين المتآمرين «الينايرجية»! والأخطر من ذلك أن البراءة ستعطى فلول نظام «مبارك» إشارة واضحة بالانطلاق من جديد فى البلاد كيفما يحلو لهم، ليعيدوا من جديد ترتيب أوراقهم من أجل ضخ الروح فى المعادلة التى قامت ضدها ثورة يناير: «معادلة الفساد والاستبداد». ثانياً- الحكم المخفف -عن المؤبد- يمكن أن يكون له تأثير مزعج على ثوار «يناير» على وجه الخصوص، وربما امتد هذا الأثر إلى بعض القطاعات الشعبية. ثوار «يناير» سوف يرون فيه إهداراً لحق مئات الشهداء وآلاف المصابين ممن دفعوا ثمن الثورة خلال أيامها الثمانية عشر، خصوصاً أن كل المتهمين من ضباط وأمناء الشرطة بقتل متظاهرى «يناير» سبق ونالوا أحكاماً بالبراءة، أما بعض القطاعات الشعبية فقد ترى فى تخفيف الحكم انتصاراً لعزيز قوم فى بلد إذا أخطأ فيه الشريف تركوه، وإذا خالف فيه الضعيف أقاموا عليه الحد، كيف لا وهى ترى الأحكام بالحبس بالثلاث والخمس والسبع سنوات على من يخالف قانون التظاهر، فى حين ينال «مبارك» ورجاله أحكاماً شبيهة!. ثالثاً- فى كل الأحوال من حق القاضى أن يحكم بما يراه عدلاً، سواء بالبراءة أو بتخفيف الحكم أو بتثبيت حكم المؤبد، فهو يحكم بأمر الله وإرادته، لكن ما أخشاه حقاً ونحن نمكث فى انتظار هذا الحكم التاريخى أن يؤدى الحكم الذى سيصدر اليوم -أياً كان- إلى دبيب اليأس فى نفوس قطاع لا بأس به من المصريين، واليأس يؤدى -كما كتبت ذات يوم- إلى الإحباط، ولعلنا نتفق جميعاً على أن بلادنا المنهكة لم تعد تحتمل النتائج التى يمكن أن تترتب على حالة الإحباط تلك. وقد ذكرت فى بداية هذه السلسلة من المقالات أن «يناير» ثورة فرضت شفرتها الخاصة القائمة على الإصلاح ومواجهة الفساد والاستبداد وغياب العدل. وتسرب شعور لدى المواطنين بالنكوص على هذه الشفرة ربما يكون له تأثيرات سلبية على نظام الحكم القائم. عموماً الكلمة التى سوف ينطق بها المستشار محمود الرشيدى اليوم سوف تحسم الجدل حول هذا الأمر لتحدد لمن آمن ب«يناير» اتجاهات المستقبل.