سياسي محنك، يعرف متى يقترب فيتماهي فى عباءة الحاكم، وكيف يبتعد فلا يحسب عليه وكأنما لم يتلاقيا، هو خازن أسرار مبارك، وحامل أختامه، ورسوله عند التفاوض، ونذيره عند الغضب، "معاوية" قصر العروبة غادره دون إقالة أو استقالة. قاضٍ لم يجلس يوما على منصة، ودبلوماسي لم يقض يوما داخل سفارة، بعد تخرجه من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عُين وكيلا للنيابة، ثم سافر إلى أمريكا ليحصل على الدكتوراه من هارفارد، وينتقل إلى الخارجية، ليتلقفه وزيرها آنذاك اسماعيل فهمي ويجعله مديرا لمكتبه، لم تخطئه عينا السادات، كلفه بكتابة خطابه الشهير الذي سيلقيه فى الكنيسيت، وما أن تلاه عليه حتى لمعت عينا "الرئيس المؤمن" وقال منتشيا:"الآن استطيع أن أقول للاسرائيلين أنا ربكم الأعلى". داهية التدبير والتخطيط، أبهر مبارك وقت كان نائبا للرئيس، تلازما فى الظل حتى جلس الأخير على الكرسي الأعلى، وعينه مدير مكتبه للشؤون السياسية، وثمة اتفاق ضمنى بينهما أن يعلم الدبلوماسي صديقه العسكري أصول اللعبة، متبعين مقولة الشافعي"تعمدنى بنصحك فى انفرادى، وجنبني النصيحة فى الجماعة، فإن النصح بين الناس نوع، من التوبيخ لا أرضى استماعه". يُتهم الباز بأنه أول من كرس فكرة التوريث لدى مبارك "الأب"، المستشار السياسي دأب على اصطحاب "الابن" إلى الندوات الثقافية ويثنى على حضوره وذكائه ومستقبله السياسي، إلا أن عام 2002 صار عاما فارقا ، وبات الحديث عن التوريث ملء السمع والبصر، ليخرج الباز فى 5 نوفمبر ويؤكد أن "مبارك لن يرشح نفسه فى انتخابات الرئاسة القادمة ولا يفكر فى توريث الحكم لابنه"، وفى المساء تأتيه رسالة شديدة اللهجة،فيدلى بتصريح ملتو "الرئيس مبارك لا ينوي تمديد حكمه مدى الحياة،ومن المبكر جدا قول ما إن كان سيخوض الانتخابات أم لا"، فى هذا العام بدأ نجمه فى الأفول، صديق الأب وناصحه الأمين أقصيَّ جانبا بعد أشتعال الحرب بين الحرس القديم والجديد، الوريث لم يقبل بوجود معلمه ومن كان يداعبه طفلا ، وبالفعل نجح "جيمي" فى الاطاحة بالشاذلى ووالى وتنحية الشريف عن حقيبة "الاعلام"، وبدا وكأنما الباز هو من اختار البقاء بعيدا رافضا لهذا الاضمحلال السياسي. ويظهر الرجل من جديد في 2005 وقبيل الانتخابات الرئاسية،ويعلن رفضه فكرة تعديل الدستور أو بعض مواده،واصفا المادة 76 بأنها الأبرز والأهم فى مسيرة الاصلاح السياسي، ولم ينس "خازن" مبارك أن يؤكد أن قانون الطواريء لم يمثل قيدا على ممارسة الحقوق السياسية، ولا نية لالغائة، ليلعن بذلك أنه مايزال مقربا من صناعة القرار ويلعب دورا ملحوظا. لم يخفق يوما فى مهمة أوكلت إليه، ورغم ذلك لم يحظ بالمنزلة التى يستحقها، شارك كدبلوماسي فى مفاوضات كامب ديفيد وصياغة معاهدة السلام، وولاه مبارك مهمة الملف الفلسطيني الاسرائيلي، ويوم أصيب بمرض عضال ترك بلا رعاية أو سؤال، ليصاب ابن السنبلاوين والشقيق الأصغر للعالم فاروق الباز، المولود فى 1939 ببوادر الزهايمر، دون أن يدلى بما في جعبته من أسرار حقبة هى الأهم فى تاريخ مصر الحديث.