بمجرد انقطاع الكهرباء بمنطقة السيدة زينب، تشكو والدة المهندس أيمن محمد، من الوضع الذي يؤدي لإعاقة شقيقته "دنيا" عن استذكار دروس الثانوية العامة، ما دفعه لإجراء تجربة تشغيل أجهزة المنزل الكهربائية من خلال الطاقة الشمسية. الشهادة الجامعية مكانها بين الدفاتر المحفوظة، وعلى حوائط المنزل للاستشهاد بأن هذا وذاك مرّوا بهذه المرحلة، وإن مارسوا غيرها في أغلب الأوقات، لكن حيوية الدراسة نضحت من وجه الشاب العشريني، وترجمها تفكيره، فأضحت الدراسة بقسم "الكهرباء" في "مودرن أكاديمي"، خطوة يبدأ من عندها الحلم الأكبر. منذ عامين، عمل "أيمن" في تصنيع خلايا تنتج الكهرباء من خلال تعرضها للشمس، على مستوى المصانع والشركات الكبرى التي تطلب ذلك، نظرا لكونه وكيلا لإحدى الشركات الأوروبية الموجودة الآن في دولة الإمارات، وسبق وعمل بفرعها في مصر قبل غلقه، في مجال إنتاج الطاقة الشمسية، لكن لم يتطرق حينها إلى كيفية مد هذه الخدمة للبيوت والمناطق السكنية، التي قد لا تصل لها الكهرباء من الأصل. "هدفي الآن الثانوية العامة، وأن تمر بنتي دنيا منها، والكهربا بتقطع من 3 ل4 مرات في اليوم".. جملة استهلت بها نجوى محمد، والدة أيمن، حديثها، مؤكدة أنها طلبت من نجلها، الذي أعطته ثقتها منذ صغره لتفوقه الدراسي، وتنبؤ الجميع له بمستقبل مشرق، وطالبته بحل سريع لأزمة انقطاع الكهرباء حتى لا تتأخر أخته عن المذاكرة، فما كان منه إلا أن طلب مبلغ 4000 جنيه ليوفر لها جهازًا يُغنيها عن الاحتياج للكهرباء وقت انقطاعها، وافقته وهي تتساءل "تمام يا أيمن عشان محسش إني رميت 4000 جنيه على الأرض؟"، فطمأنها ولدها. دخل أيمن بجهاز غير مألوف، تم تركيبه في ساعتين تقريبا، كما تروي "نجوى" ل"الوطن"، بعد تركيبه بدأت بتشغيل المروحة، وجدتها تعمل، وكذا باقي أجهزة المنزل الكهربية، ثم أوصل "سلك" إلى شقة جدته في الدور الأول، حتى لا تشعر بالخوف وقت الظلام.. علم أيمن والدته كيفية تشغيل الجهاز، من خلال الضغط على زر معين.. "مبقيتش محتاجة أيمن يكون في البيت عشان أشغله، خلاص علمني أدوس على الزرار ويشتغل". الساعة الثانية ظهرًا والشمس في أوج حرارتها.. أظهر "أيمن" نموذجا مصغرا للفكرة، عبارة عن مروحة موصولة ب"موتور" صغير الحجم والوزن، يعمل عن طريق الخلايا الشمسية، تبدأ المروحة في حركتها الدائرية بمجرد تعرض المحرك للشمس، وفي هذا التوقيت، انقطعت الكهرباء بالفعل في الشقة، ظهرت لوحة مستطيلة الشكل تتكون من مربعات سوداء، حدودها بيضاء، تخرج من نافذة غرفة صغيرة، مستندة على ساعدين حديديين، وجهها للشمس. يذكر أيمن، في حواره ل"الوطن"، أن الخلية مصنوعة من مادة "السيلكون" من مميزاتها أنها تستطيع الامتزاج مع الشوائب، فتنتج إلكترونات عند تعرضها للشمس، تتحرك هذه الإلكترونات وتتجمع عند "سلكين"، لونهما أحمر وأسود، مستقرين في ظهر الخلية، ينتجون كهرباء تسير في سلك أبيض عريض موصل بهما، حتى يصل إلى البطاريات، أما الجزء الثاني فهو "المتحكم في الشحن الخاص بالبطاريات" لضبط الكهرباء المناسبة للمنزل، وفرق الجهد الداخل إلى البطاريات، يخرج من "المتحكم" سلكين آخرين موصولين بالبطاريتين، الأولى منهما تنتج تيارا ثابتا بمقدار 12 فولت، بفعل وسيط يتحول في الأخرى إلى تيار متردد بمقدار 220 فولت، لأن الأجهزة المنزلية تحتاج النوع الثاني وليس الثابت. يرى المهندس العشريني أنه قدّم تصميما أصغر في الحجم، وأقل سعرا عما هو متداول في السوق الأوروبية، وتستورده مصر، ويباع بما لا يقل عن 20 ألف جنيه، فيما يتكلف "تصميم أيمن" 4000 آلاف فقط، غير أنه قابل للزيادة، حسب متطلبات المنزل، في سبيل خلية يمتد عملها بكامل طاقتها إلى 25 عامًا، بعدها يقل مرردوده، ويمكن إعادتها إلى سابق كفاءتها عن طريق تزويدها بخلايا أكثر. حينما فكر أيمن" وشركاؤه أحمد مراد، وإنجي سراج، في هذا المشروع، كان من منطلق إيجاد حل لأزمة انقطاع الكهرباء التي يعاني منها الملايين، وتأثير ذلك سلبيًا على حياتهم، فمن خلال هذا المولد، تُنتج الكهرباء لمدة ساعتين، ويمكن شحنه لمدة 9 ساعات، حتى يعمل إذا انقطعت الكهرباء ليلا.. فائدة أخرى للجهاز، بجانب مواجهة الظلام، هي تخفيض فاتورة الكهرباء، حيث يمكن استعماله وقت وجود التيار الكهربي، وفي هذه الحالة إذا كان البيت يستهلك 50 كيلو وات شهريًا، في الشتاء، من خلال الست ساعات الصباحية، يستطيع الجهاز أن يُنتج 6 كيلو وات في اليوم، أي حوالي 180 كيلو وات في الشهر، ما سيقلل الفاتورة إلى النصف. "فوطة المطبخ".. إحدى وسائل تنظيف الخلية الشمسية، كما تُنظف أي ربة منزل محتويات البيت، الأمر لا يستغرق سوى دقائق معدودة لإبعاد الأتربة عن الجهاز دون الضغط عليه، حتى يعمل بكفاءته العالية. أن تتحول من مستهلك إلى منتج.. منهج يحاول "أيمن" ورفيقيه تفعيله، مرجعا سبب انقطاع التيار إلى "إما أحمال زيادة، أو عجز في توليد الطاقة الكهربية"، وهو ما توفره الطاقة الشمسية في الحالتين، موضحًا أن مصر تحتاج إلى حوالي 30 جيجا كهرباء، والمتوافر بالفعل 25 جيجا إذا كانت كفاءة محطات التوليد مكتملة، مؤكدا أنه إذا خصصت الحكومة ال25 جيجا المتوافرة بالفعل لإنارة المنازل، فإن الطاقة الشمسية كفيلة بتوفير ال5 جيجا المتبقية، لإنارة العمدان الموجودة بالشوارع، من خلال "وصلة سلك" يضعها أحد التقنيين بوزارة الكهرباء.