ردَّ الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، على ما أثير حول صحيح البخاري وبعض الأحاديث النبوية التي وردت به، قائلًا: إنما العلم بالتعلم، والسؤال مفتاح العلم، ونحن أُمِرنا أن نسأل ونتعلم طلبًا للإجابة، وليس سؤالاً طلبًا للتشكيك والإنكار، وقد نُهينا عن السؤال في التشديد على أنفسنا. وأضاف جمعة، في برنامج "والله أعلم" أن صحيح البخاري اعتنى به صاحبه والأئمة من بعده عناية فائقة لم نجد لها مثيلًا، ويمكننا أن نقسم صحيح البخاري إلى قسمين: الأول منهما بأسانيد؛ وكله أحاديث صحيحة، والقسم الآخر دون أسانيد؛ فيقول مثلًا ابتداءً: قال أبوهريرة، وهو من الصحابة، أو قال الزهري، وهو من التابعين، وهذا القسم الذي هو بدون أسانيد يسمى التعليق، وهذا التعليق يمكن أن يكون سنده حسنًا ويمكن أن يكون ضعيفًا. وقد بحث ابن حجر العسقلاني عن أسانيد هذه الأحاديث التي لم يذكر سندَها الإمامُ البخاري في صحيحه، وجمعها في كتاب أسماه "تغليق التعليق". وأشار، المفتي السابق، إلى أن الإمام البخاري، رحمه الله، كان عندما يجد حديثين يختار أقواهما من حيث السند ويضعه في صحيحه، ويعلِّق عليه بأن هذا الحديث أسند والحديث الآخر أحوط، وعندما يقرأ أحدٌ أن هذا الحديث قد أخرجه البخاري تعليقًا يظن أن البخاري قد ذكره نصًا، وهو لم يذكره، فيظن وقتها أن هناك تدليسًا، وفي الحقيقة ليس هناك أيُّ تدليسٍ؛ فالبخاري قد أورد الحديث فعلاً، ولكنه أورده تعليقًا وليس نصًا. وفيما يتعلق بشبهة أخرى تثار حول حديث فهمه أحدهم خطأ فادعى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أراد الانتحار، أوضح الشيخ علي جمعة أن هذا الحديث ابتدأ بكلمة "بَلَغَنَا"، ولذلك فهو ليس حديثًا بإسناد، فقد يتدخل الراوي بكلامٍ مِن عنده على حسب فهمه للحديث وبألفاظ لم تَرِدْ صراحةً، ولكن على حسب قدرته العقلية، ولكن العالم الذي تَرَبَّى على يد مشايخ وتلقى العلم الصحيح يعرف كيف يفرق بين الأحاديث التي بسندٍ والتى بدون سند ويستطيع فهمها فهمًا صحيحًا؛ فما أثير حول محاولة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الانتحار هو من كلام كتاب "الهداية" الذي تم فيه تجميع الشبهات لمحاولة هدم الإسلام. وأوضح أن الحديث الشريف انتهى عند قوله: "ثم لم ينشب ورقة إلى أن توفي"، وما أتى بعد هذه الجملة فهو ليس من نص الحديث، ولكنه من كلام الزهري الذي أخبر بالحديث، وهذا موضَّح داخل صحيح البخاري؛ بأنْ وَضَع نقطةً، وبدأ من سطر جديد في سرد كلام الزهري وتفسيره لما حدث. وأشار إلى أنه قد يحدث حالة للعابد من الأُنْس بالله حتى يتمنى أن يلقى الله عز وجل من شدة اشتياقه وحبه له تعالى، وأن القلوب لها بابان؛ باب على الخلق، وباب على الحق عز وجل، فعندما تدخل الأنوار الربانية إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأن باب الخلق قد أُغْلِق، فكان يستغفر الله عن ذلك لأنه مأمور بأن يعبد الله وأن يوصل رسالته للخلق. ووجه رسالة للإعلاميين قائلًا: "اجعلوا برامجكم فيها جاذبية، لكن لا تجعلوا بها إثارة تخفون بها الإنارة، نحن نحتاج إلى العقول المستنيرة وأنتم عليكم دور كبير في ذلك، استعملوا حرية الرأي وحرية الفكر في البناء وليس في الهدم".