التقرير الذى أصدرته «هيومان رايتس ووتش»، يوم الثلاثاء الماضى، عن فض تجمعى أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسى فى «رابعة العدوية» و«النهضة»، عمل غير عادل، وغير منصف، ويخضع لتسييس واضح. يتجاهل هذا التقرير السياق الذى جرت فيه عملية الفض، والجرائم السابقة واللاحقة التى ارتكبها أعضاء تنظيم «الإخوان» وأنصارهم فى التجمعين وعلى هامشهما، وعمليات التحريض على العنف التى هيمنت على خطابهم طوال الوقت. كما يغفل هذا التقرير أيضاً الإطار القانونى الذى تستند إليه عملية الفض، ويتجاهل المحاولات الحثيثة التى بذلتها الدولة مراراً وتكراراً لإنهاء العملية دون خسائر. لكن أكبر افتراء فى هذا التقرير يتعلق بالطريقة التى سعى من خلالها لتفادى حقيقة أن قيادات التجمعين عملت على تأجيج العنف، وزيادة الخسائر البشرية، للمتاجرة بدماء القتلى، خصوصاً أن المتجمعين فى الميدانين هم أول من استخدم السلاح فى وقائع الفض، وأولى الضحايا كان من بين رجال الأمن. حسناً فعل المجلس القومى لحقوق الإنسان حين أعد تقريراً متكاملاً عن عملية الفض، أنجزه فريق عمل متخصص بصورة علمية ودرجة عالية من النزاهة والحياد، وتم إعلانه فى شهر مارس الماضى، وحسناً فعل المجلس أيضاً حين أعاد التذكير بهذا التقرير عشية الذكرى الأولى لفض التجمعين. ومن بين أهم النقاط التى توصل إليها تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان أن «الاعتصام» الذى بدأ سلمياً، تحول إلى «اعتصام مسلح»، بعدما انضم إليه مسلحون بمعرفة «الإدارة»، وأن هؤلاء المسلحين بادروا بإطلاق النيران ضد قوات الأمن، حتى إن أبرز القتلى فى عملية الفض كان ضابطاً يحاول إرشاد المعتصمين إلى ممر آمن للخروج عبر استخدام مكبر صوت، كما أن المسلحين استخدموا «المعتصمين السلميين» كدروع بشرية. رصد التقرير أيضاً مخالفات وانتهاكات ارتكبتها قوات الأمن؛ ومنها عدم إعطاء مهلة مناسبة للمعتصمين السلميين لمغادرة «الاعتصام» عبر الممر الآمن، والإخفاق أحياناً فى استخدام طاقة نيران متناسبة مع ما يستخدمه المسلحون. وأشار التقرير إلى أن عملية الفض جاءت تنفيذاً لقرار النيابة العامة، والصادر من نيابة مدينة نصر، الواقع بدائرتها ميدان «رابعة العدوية»، وذلك على أثر تقدم بعض المواطنين ببلاغات بتعرضهم لمعاناة شديدة جراء «الاعتصام»، الذى استمر حوالى 47 يوماً. كما أوضح أن العناصر المسلحة داخل «الاعتصام» كانت تتحرك وتطلق النيران من وسط المعتصمين بما يمكن وصفه باستخدامهم المعتصمين كدروع بشرية، جعلتهم فى مرمى نيران قوات الأمن طول فترات الاشتباكات، وقد عظم من هذا الخطر على المعتصمين السلميين كون العناصر المسلحة التابعة ل«الاعتصام» لم ترتد زياً معلوماً أو تحمل شارة تميزها عن المعتصمين غير المسلحين. واهتم التقرير الصادر عن المجلس القومى لحقوق الإنسان برصد ردود فعل عملية الفض، مشيراً إلى اندلاع أحداث عنف مسلح فى حوالى 22 محافظة، أحرقت بها العديد من الكنائس والمنشآت العامة وهوجمت فيها بعض أقسام ومراكز الشرطة، واستمرت لمدة أربعة أيام من صباح يوم 14/8/2013 حتى مساء يوم 17/8/2013، مما خلف 686 قتيلاً؛ منهم 622 مدنياً، و64 من رجال الشرطة، ويعتقد أن معظم الضحايا المدنيين من المواطنين الأبرياء، الذين تصادف وجودهم إبان إطلاق النيران العشوائى الذى قامت به بعض العناصر المسلحة أو خلال الاشتباكات مع قوات الأمن. إن تقرير «هيومان رايتس ووتش» عمل متحيز، اعتمد على رؤية واحدة، وتجاهل السياق الذى جرت فيه الوقائع، وتفادى الحديث عما ظهر من إشارات إلى عمل تنظيم «الإخوان» على اصطناع المظلومية عبر التسبب فى إيقاع أكبر عدد من القتلى. لكن الأمر الذى يحسب لتقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان هو التزامه بالمعايير الفنية والمقاربة المتوازنة والبعد عن التسييس؛ وهو الأمر الذى أخفق تماماً تقرير «هيومان رايتس ووتش» فى تحقيقه.