فوضى الفتاوى والآراء الشاذة التى تضرب العقيدة الإسلامية الآن عبر «معممين» وأفندية «مطربشين» لها أسباب ثلاثة: أولها «طُعمة الإعلام»، وثانيها «ثقافة التهليل الاجتماعى للتفاهات»، وثالثها «ارتخاء وذعر الأزهر». دعونا نفصَّل القول فى كل سبب من هذه الأسباب بعض الشىء. أما «طُعمة الإعلام» فترتبط بالمنافع المالية والمكاسب المعنوية التى أصبحت تجد طريقها إلى جيوب كل من يتحدث بجرأة حتى ولو كانت جاهلة فى أمور الدين. فالجهلة وأنصاف المتعلمين يرون أن الشهرة عبر «فرقعة» رأى أو فكرة أو فتوى شاذة على هذه القناة التليفزيونية أو تلك ستكون مدعاة لزيادة الطلب عليهم من قنوات إعلامية أخرى. الأمر الذى يجعل للجهل سعراً، طالما كان هناك طلب على أصحابه. وهكذا تتدفق الآلاف مع الانتقال من قناة إلى قناة وتمتلئ الجيوب والسيّالات حتى تطفح بما فيها! السر فى ذلك هو الطلب الجماهيرى -أو قل «التهليل الجماهيرى»- على هذا اللغو.. نعم الناس تتأفف وتتضجر من هذا العبث، لكنها تلوكه بألسنتها وتحتفى بالتفاهات، ويكون موضوعاً أساسياً فى قعدات النميمة. وراجع أى شخص أو مجموعة تعرفها فسوف تجد أن أبرز ما شغلها خلال الأيام الماضية هو موضوع الزعم بأن خالد بن الوليد (رضى الله عنه) ذبح مالك بن نويرة وسلق رأسه وطعمها مع عدد من الصحابة ثم زنا بزوجة «مالك»، أو موضوع التلصص على الخطيبة وهى تنال «حمام العافية»، أو ضرورة اتصال الرجل بزوجته وهو فى الطريق إلى البيت حتى تعمل حسابها إذا كان لديها ترتيب مع «الرجل الآخر» وتستر حالها!، و... و...، إنه نفس المناخ الذى اشتعل فيه الحديث فيما سبق عن مضاجعة الزوجة الميتة والتبرك ببول الرسول. هذا الخطاب يجد سوقاً لأن كثيراً من الناس تهلل له، رغم مقتها له، فى الوقت الذى لا تأبه فيه بأى حديث جاد يتناول التراث الإسلامى فيميز طيّبه من خبيثه، وحسنه من قبيحه، وصالحه من طالحه. والأصل فى التعامل مع التراث علم، وليس إطلاق أقوال أو فتاوى شاذة تُنتزَع من سياق عصور أشد شذوذاً، ليقال للناس بعد ذلك -بالجهل والتدليس والتزييف- إن هذا هو الإسلام! فى ظل هذا المشهد العجيب يبدو الأزهر شديد الارتخاء والذعر فى مواجهة هذا العبث، ربما كان السبب فى ذلك هو خوف مشايخه من أن يحسبوا على «الإخوان». وينسى هؤلاء المشايخ أننا جميعاً بُحّ صوتنا وهاجمنا تلك الجماعة بعنف حين كانت تجتهد فى نقل رسالة إلى الناس أن الإخوان والإسلام وجهان لعملة واحدة. وكررنا مراراً وتكراراً رفض فكرة أن يكون أحد حجة على الدين، لأن الدين حجة على الجميع. وأخشى أن يكون الأمر -كما ذكرت ذات يوم- قد اختلط على البعض فلم يفرق بين الحرب على الإخوان والفكر الدينى المتطرف، والحرب على الإسلام كدين وعقيدة. من لا يستطيع التفرقة بين الأمرين عليه أن يراجع فوراً أحد أطباء العيون، لأن من المؤكد أنه يعانى من عمى ألوان حيثى!