أصدر الشيخ السلفى عبد المنعم الشحات فتوى تحرم ضحايا مذبحة بور سعيد من الجنة ،لأنهم «ضحايا اللهو الحرام» ،فعارضه المفتى الأسبق الدكتور نصر فريد واصل ، مؤكدا أنهم «شهداء» ،لأنهم قُتلوا غدرا . ثم دخل الأستاذ الأزهرى سعد الدين هلالى ، على خط «فوضى الفتاوى «،ليؤكد أن الراقصة إذا قُتلت فى مظاهرة ضد الفساد ،فهى شهيدة ،وسوف تدخل الجنة ، أما إذا قُتلت أثناء ذهابها أو عودتها من عملها ،ففى هذه الحالة لن تكون شهيدة ، ولن تدخل الجنة ، أو تشمّ رائحتها ، وإنما سوف تدخل النار ، لأن «الرقص حرام شرعا»!! هكذا ..صارت الجنة وتحديد من يدخلونها أو من لا يدخلونها «حكرا» على رجال الدين ، مع الوضع فى الاعتبار أنه ليس فى الإسلام «رجال دين»، وإنما «علماء دين». إن العبث الذى يمارسه بعض «مشايخنا» ، من إصدار فتاوى متضاربة ومتناقضة ،تمنح البعض جنات النعيم ، وتدخل آخرين نيران الجحيم ، أمر يتصادم مع العقل ، الذى يحترمه الإسلام ، ويقدره ، ولا يقصيه ويمتهنه ، كما يفعل من يعتقدون أنهم حصلوا على « تفويض سماوى حصرى « ،بتوزيع الجنة والنار ، على عباد الله . لم يمنح الله أيا من أنبيائه «كشفا» بأسماء رواد الجنة ، وعملاء النار ، حتى يتوهم بعض المتحدثين باسم الإسلام، أن السماء منحتهم «صكوك الغفران». كما أن خليفة رسول الله أبا بكر الصديق ، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وكثيرا من الصحابة الكرام ، لم يكونوا على يقين بأنهم سوف يدخلون الجنة ، حتى يمنح البعض من مشايخنا المعاصرين لأنفسهم الحق الإلهى فى ثواب الناس وعقابهم. ليس على السلفيين حرج ،إن هم أصدروا سيلا عارما من فتاوى تسخيف الإسلام وإهانته، لأن منهم من دأب على الشطط ،أما أن يجاريهم وينافسهم فى ذلك علماء الأزهر وأساتذته ، فإن ذلك يُدخل الدين الخاتم ، فى متاهات ، هو فى غنى عنها . ويبدو أن «بزنس الفتاوى «، وحب الظهور، وأشياء أخرى ، تدفع بعض «المشايخ» إلى التهافت على إطلاق فتاوى مريبة ، تخصم كثيرا من رصيد الإسلام ، عند من لا يعرفونه ، أو يتربصون به. ورغم أن السعودية كانت قد عقدت مؤتمرا منذ سنوات قليلة ، لوضع ضوابط للمفتين ،حذر يومئذ من الفتاوى الضالة المضلة ، إلا أن شيئا لم يتغير ، وبقى سوق الفتوى رائجا ، ولكن ببضاعة «فاسدة»!! كان المؤتمر الذي اجتمع فيه 170 فقيهاً وعالماً إسلامياً ، وضع شروطا للمفتى ،منها : أن « يُفتي بعلم يعصمه من الجهل ، وبورع يعصمه من الهوى، وباعتدال يعصمه من أن يكون فريسة الوقوع بين طرفي الافراط أو التفريط أو الطغيان». ومن أسف .. أن من يتصدرون مشهد الإفتاء ، الآن، يفتقدون –غالبا- لهذه الشروط ، بدليل أمواج الفتاوى المتلاطمة ، ك»إرضاع الكبير والتبرك ببول الرسول». إنه من الجنون ، أن مرجعياتنا الدينية ، تتلهى بقشور الدين وتتمسك بأذياله، وتبحث في فتاوى، بعضها الدين منه براء ,وبعضها الآخر ينافي العقل وتطورالحياة. ومادامت فوضى الفتاوى ، لا تزال متدفقة - رغم تحذيرات العقلاء وأولى الألباب - فإنه لم يعد هناك مفر ، من ضرورة تقنين الفتاوى ، ومعاقبة كل من تسول له نفسه «اللهو بالدين «،لكن مثل هذا القانون يبقى حلما بعيد المنال ،لأن من يجثمون على أنفاس البرلمان ،الآن ، هم من يتقيأون هذه الفتاوى.