هذه رسالة موجهة إلى رجل من الرجال المخلصين لهذا البلد، الصادقين فى حديثهم، الغيورين على أوطانهم، يقدمها الأخ الأصغر (أنا)، لأخيه الأكبر وأستاذه، الأستاذ الدكتور حسين كامل بهاء الدين، تعليقاً على آخر مؤلفاته «رسالة من الزمن القادم». الرسالة مختصرة: «أستاذى.. بعد الآن لن أقرأ لك مرة أخرى»! فى شهر أكتوبر من عام 2004 (وكان أستاذنا الدكتور حسين كامل بهاء الدين ما زال وزيراً للتعليم)، التقينا بالصدفة فى الساحل الشمالى (قرية جامعة القاهرة، حيث نتجاور)، وقدم إلىّ سيادته كتابه «فى مفترق الطرق» (دار المعارف- 2003) وبعد أن قرأته، اتصلت به أستأذنه نشر تعليق على الكتاب، وقد نشر بالفعل هذا التعليق فى جريدة الأهرام فى 23/11/2004، وكنت قد اخترت له عنواناً لفت الأنظار «يا ليتنى لم أقرأ هذا الكتاب»، ففى واقع الأمر كان هذا الكتاب صدمة شديدة، حيث كان كل سطر فيه يصرخ بالنداء للاهتمام بمستقبل التعليم فى مصر، وفى ضرورة الاستعداد لدخول عالم التكنولوجيا والاتصالات، بدءاً من مراحل التعليم الأولى، وكان المضمون يحذر من مغبة التخلف نتيجة لتردى مستويات التعليم، وغياب استراتيجية تمكن مصر من المنافسة فى مجالات المعرفة والإنتاج. وقد أصابنى هذا الكتاب بصدمة هائلة، لم أجد معها تعبيراً سوى العنوان المشار إليه أعلاه. وفى صيف عام 2005، وفى لقاء مع أستاذنا الدكتور حسين كامل، سألته: كيف يمكن أن تكتب ما كتبت رغم وجودك فى الوزارة؟ فكان رده: هناك ما هو أكثر، فأنا انتهيت لتوى من كتاب استحلفنى خالد (ابن الدكتور حسين) وزوجتى، ألا أنشره، وقد تعجبت آنذاك، ماذا يمكن أن يكون هذا الكتاب «الأخطر» من مفترق الطرق؟، وظننت أن الدكتور حسين يبالغ. ومضت الأيام، وكنت قد نسيت الواقعة، إلى أن علمت مؤخراً بصدور كتابه الجديد «رسالة من الزمن القادم»، وتفضل سيادته بإهدائى الكتاب، وطلب تعليقى. وعند القراءة الأولى للكتاب، أدركت لماذا استحلفه أهله (الزوجة والابن) ألا ينشر هذا الكتاب، لخطورة ما جاء به من معلومات، وقد صادف صدور هذا الكتاب عن «دار نهضة مصر للنشر - الجيزة 2013»، اندلاع ثورات الربيع العربى، وجاء هذا الكتاب «صافرة إنذار» للعالم العربى، الذى تخلف عن مجاراة التطورات العالمية، على كل الأصعدة، الاقتصادية والعلمية والاجتماعية، ونبّه الكتاب إلى أن هذا التخلف ليس وليد صدفة «بل هو مدبر»، ويكشف التدبير حقائق تلاحظها العين المجردة: - أن أمريكا يساندها الغرب، وفى سبيل مصالحها لا تتردد فى التضحية بشعوب المنطقة العربية كلها، ولا يعنيها ما تعانيه هذه الشعوب من متاعب وما تتعرض له من انتهاكات. - أن أمريكا، فى تقسيم جديد معدل لاتفاقيات «سايكس بيكو»، لديها رغبة عارمة فى إعادة تقسيم المنطقة إلى «دويلات» ضعيفة وأن تمكن التيارات الإسلامية المتطرفة من هذه الدويلات، تحت مسميات «خزعبلية» حتى تنشغل هذه التيارات المتطرفة عن أمريكا والغرب. - أن هذا الهدف يحقق آخر، وهو ضمان سلامة الربيب الأمريكى الذى زرعته فى المنطقة لتقسيم العالم العربى (إسرائيل). - أن هذا الضعف الذى أصاب العالم العربى بسبب تلك المؤامرات التى بدأت بالعراق، ثم السودان، وسوريا، والمحاولات التى فشلت على أعتاب مصر، سببها هو التخلف الثقافى والعلمى الذى أصاب بلادنا، وأفقدنا استقلال القرار. ومن هنا كانت الرسالة الموثقة -ليس من أقاويلنا ولكن من أقاويل الغرب وكتّابه- الذى بعث إلينا بها الأستاذ الدكتور حسين كامل بهاء الدين «من الزمن القادم».. فهل سنلحق بهذا الزمن، أم سنعود إلى الوراء؟ سؤال ألح بعد قراءة الكتاب، فزادت همومى، وازداد انشغالى بقضايانا، وجاء ليسبب لى حيرة لا تقل عن حيرتى، فلم أجد تعقيباً على هذا الكتاب، إلا العبارة التى عنونت بها هذا المقال: «أستاذى.. لن أقرأ لك بعد الآن»!