العلاقة بين الرئيس الأسبق حسنى مبارك وثورة 25 يناير -حسب وصفها فى دستور مصر- علاقة عكسية.. بمعنى أنه كلما أعاد الشارع قراءته لما جرى، ونتج عن ذلك إنصاف شعبى لرجل خدم مصر لعقود، مقاتلاً عظيماً ورئيساً وطنياً شامخاً، أكلت النار «25 يناير».. أو بمعنى أدق ما تبقى من «25 يناير».. وهم مجموعة من الأشخاص وجماعات المصالح فعلوا كل ما يمكن وصفه بالخيانة المفضوحة لإسقاط الدولة المصرية، التى من سذاجتهم تصوروها متمثلة فقط فى الرئيس الأسبق، ولم يدركوا أن الدولة المصرية فى شكلها الحديث راسخة رسوخ الجبال منذ تأسيس محمد على لها كدولة قوية فى جنوب المتوسط، حكمها مركزى وعمودها الفقرى قواتها المسلحة. هذه الجماعات التى تسربت إلى مواقع النخب والأحزاب السياسية والصحف والقنوات الإعلامية، وأغلبهم لا يتمتع بالكفاءة التى تساعده على الاستمرار، وكان يعوض نقصه بالاستناد إلى أنه من الميدان، وهذا يكفى!! وسعوا لإنكار الواقع وهو أن ميدان التحرير لم يكن يعبر عن غالبية المصريين، وفى أول اختبار بعد عام واحد على «25 يناير» حصل الفريق أحمد شفيق على ملايين الأصوات فى انتخابات الرئاسة، وما زال القضاء ينظر طعنه بالتزوير فى النتائج التى أسفرت عن وصول الإرهابى محمد مرسى إلى سدة حكم مصر فى لحظة تاريخية مشينة.. واستعاد المصريون الميدان فى العام الثالث وكانت ثورة يونيو المجيدة، وخرجت المطالبات لجيش مصر وقائده من الميدان الذى دُنس ذات يوم بهتاف «يسقط حكم العسكر». والآن يكون السؤال: لماذا الرعب من «مبارك»؟ لماذا هذا الحقد والغل تجاه رجل اقترب من التسعين من عمره؟ والسؤال الأهم: لماذا «مبارك» فى السجن بينما الخونة طلقاء وأحرار؟ هؤلاء الذين تباهوا بحرق السجون وبرروا له ومن تحالفوا مع الإخوان واعترفوا بدورهم واتصالاتهم ولم ينقلبوا على الإخوان إلا بعد نكران الإخوان لهم! الإجابة باختصار هى أن براءة «مبارك» ستكون دليل إدانتهم وإن لم تكن أمام المحاكمات القضائية، فعلى الأقل ستكون أمام شارع أصبح مشمئزاً من وجوههم. وهذا المقال ليس دفاعاً عن «مبارك»، فالرجل اختار حكم التاريخ.. والتاريخ يبدو أنه «فلول»، وحتى الآن ينحاز للرجل بأسرع مما يدركه عقل ويستوعبه منطق.. وليس هدفه التأثير على سير المحاكمات، فقضاء مصر هو حصننا جميعاً، وأياً كان حكمه سيكون واجب الاحترام.. وليس حنيناً إلى ماضٍ فنحن نعيش حاضراً مشرِّفاً مع رئيس يليق بمصر وشعبها وهو المشير عبدالفتاح السيسى، ونحلم معه بمستقبل واعد لمصرنا.. ولكنه رأى شخصى لصاحبه، ووجهة نظر قد يتقبلها أو يرفضها البعض. محاكمة الرئيس «مبارك» ليست مجرد تفصيلة فى التاريخ ولكنها صفحة ما زالت تكتب سطورها من واقعنا.