لا يقارن عبدالناصر إلا بعبدالناصر، كما أن «السيسى» لن يكون غير «السيسى»، والذين عقدوا المقارنات بين الرجلين تجاهلوا أن كليهما كان ابناً لظروفه. حين خرج من رحم الواقع ورضع من ثدى الزمن. ليستوى كل منهما رجلاً مختلفاً عن الآخر. فلا «السيسى» ينبغى له أن يدرك عبدالناصر. ولا الزمن قد توقف بعبدالناصر ليلحق به «السيسى». هيهات -إذن- أن يتشابه الرجلان حتى وإن كان ذلك أمل الملايين أو حلمهم فانظر ماذا فعل عبدالناصر خلال شهرين فقط من ثورته. وماذا فعل «السيسى» خلال هذه المدة من حكمه. أصدر عبدالناصر قراراً بالإفراج عن جميع المساجين السياسيين الذين تم اعتقالهم فى العهد الملكى. كما أمر بفتح التحقيق فى وقائع التعذيب والتنكيل التى حدثت للبعض منهم. وكان أغلبهم ينتمى لخصومه من الإخوان. ولكن القرار الأهم الذى اعتبره المؤرخون مؤشراً لاتجاه عبدالناصر فى مستقبل أيامه والذى أكدته التجربة فيما بعد. هو إصداره لأول قانون للإصلاح الزراعى والذى حدد فيه الحد الأقصى للملكية الزراعية بعد أن كانت بلا سقف. فزاد من عدد ملاك الأراضى الزراعية خصماً من أغنيائها. وقلل من أعداد الفقراء والمعدمين فى الريف المصرى على حساب الأثرياء فيه. كما بادر عبدالناصر بإلغاء الألقاب الاجتماعية التى كانت تميز حاملها من علية القوم مثل لقب البك والباشا وهو ما ساهم فى تذويب الفوارق بين طبقات المجتمع عملاً بالشعار الذى رفعه القائد: «كلنا سيد فى ظل الجمهورية». وبذلك تحول المصريون إلى مواطنين لهم حقوق ولم يعودوا مجرد رعايا كما كانوا فى العهد البائد. هكذا وصلت الثورة إلى الناس فى بيوتها. ولم تنتظر أن يصل الناس إليها كما هو حادث الآن. فقد أصبح مطلوباً من المواطن المصرى الآن أن يدفع ثمن تأييده للثورة. لا أن تدفع له الثورة ثمن تأييده لها. فلا يكون المواطن ثورياً إلا بقدر ما يعطى مضحياً من أجل الثورة. مقابل الحصول على بعض الوعود بالإصلاح من هنا وهناك. بينما جاءت ثورة يوليو لتعطى للناس قبل أن تأخذ منهم وتمنح الحقوق قبل أن تطالبهم بالواجبات. لهذا صدق الناس الثورة وقائدها، فعاهدوه على بذل الدماء رخيصة. ورفضوا أن يتخلوا عنه حتى بعد أن منى بهزيمة ساحقة عام 67. على عكس ما يحدث الآن لدى الكثيرين الذين بدأوا الشك فى جدوى الثورة. ومدى أهميتها أو الحاجة إليها. بعد أن تعثرت فى طريقها نحو الهدف. وتلكأت فى الوصول إلى مراميها. فشعر معظم الناس بسلبيات الثورة أكثر من شعورهم بإيجابياتها فلم تعد الثورة لديهم مقترنة بالعطاء والمنح، بل مقترنة بالأخذ والمنع. هكذا تؤكد الأيام بما فيها من تجارب بُعد الشقة بين «السيسى» و«ناصر». وخطأ الذين عقدوا المقارنات بين رجلين ينتمى كل منهما إلى تجربة مختلفة. فالمقارنة المنصفة تقضى باستدعاء الظروف التى وجد كل منهما نفسه فيها ذلك حتى لا يبدو «عبدالناصر» الزعيم الملهم بينما يبدو «السيسى» مجرد جنرال وضع نفسه فى غير مكانه..!!