بخطوات متثاقلة، تسير بحذائها الممزّق فى طريق ممتد من ساقية مكى إلى كوبرى العمرانية، حيث تسكن فى غرفة ضيّقة تنقطع عنها المياه بالأيام. رحلة عناء تتجدد يومياً منذ 6 أشهر، لم تشعر «أسماء» صاحبة ال14 عاماً بمرارتها إلا فى أيام العيد، حيث جذب انتباهها ملابس الأطفال الجديدة واللعب التى تزيّن أياديهم. وتحت حرارة الشمس الحارقة، تخرج من بيتها بالساقية، حاملةً على رأسها أوانى فارغة «أمى وأبويا تعبانين وأنا ماليش إخوات والوحيدة اللى بارعاهم، بامشى كل يوم على رجلى الصبح فوق الكوبرى وأروح لأقرب مكان أجيب منه ميّه نضيفة، عشان الميّه لو جت عندنا بتنزل لونها غامق وريحتها وحشة، وهى اللى تعبت أمى فى كليتها ومابقتش قادرة تخدمنا زىّ الأول»، بابتسامات تلقيها على وجوه المارة، تحاول الصغيرة إسعاد نفسها فى العيد كباقى الأطفال خلال رحلة معاناتها اليومية من أجل «شربة ميّه»، وتقول «فضلت أغنى طول الطريق والناس لما تشوفنى تضحك لى، فيه ناس افتكرونى شحاتة وادونى فلوس بس كنت بارفض، وناس بيضحكوا فى وشى بس، ودى كانت عديتى». بجلبابها المزركش، تجرى «أسماء» على الطريق حتى لا تشعر بالملل «وانا رايحة باجرى عشان ألحق أملا الطبق ميّه قبل ما الناس تكتر ويبقى على الحنفية زحمة، بس وانا راجعة ضهرى بيتقطم من كتر تقل الميّه وبامشى على مهلى عشان الميّه ماتقعش كتير منى»، مضيفة «مش عايزة عيدية ولا هدوم، مش لما نبقى نعيش الأول نبقى نعيّد، مش محتاجة غير ميّه نضيفة تدخل البيت ونشرب منها عشان أمى تخف وانا أترحم من المشى فى عز الحر».