فى حجرة رطبة ومتواضعة، لا يمكن أن تصمد أمام التقلبات الجوية الحادة، سقفها مغطى ب«البوص»، تحرقه الشمس الملتهبة صيفاً، وتخترقه الأمطار الغزيرة المنهمرة شتاء، كانت تتكدس أسرة مكونة من 8 أشخاص، تتلاحم الأجساد صيفاً وشتاءً رغماً عنهم، يبدأ يوم الأسرة مع بزوغ شمس الصباح، فتحمل الزوجة إناءً بلاستيكياً فارغاً، وتخطو نحو المسجد القريب لنقل المياه على كتفها وتعود به إلى ما كان يطلق عليه مجازاً «المنزل»، قبل أن يتحول بفضل مبادرة «حياة كريمة»، إلى سكن آدمى أنقذ الأسرة من وضع مأساوى. صف من البيوت بلونين مميزين بين الأخضر والأصفر، تتراص أمام الوحدة الصحية بقرية الياسينية، التابعة لمحافظة البحيرة، إحدى القرى المستهدفة بالمبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، بعدما غيرت المبادرة حال 9 منازل بها، 7 منها كانت تحتاج إلى سقف بدلاً من السقف البوص، وتجهيز المنازل وتشطيبها بالكامل. يقف ثابت فتحى، وهو رجل أربعينى أمام بيته المقابل للوحدة الصحية بالقرية، يغسل «توك توك» يعمل عليه باليومية، استعداداً لدورة عمل يرزقه الله منها، إلى جانب عمله فلاحاً باليومية، وحكى قصته ل«الوطن»، قائلاً: «كان عندى غرفة واحدة ليها سقف بألواح الخشب، وقسمتها وعملنا مطبخ وحمام، وكانت زوجتى والبنات يملأن المياه من الجيران أو من الجامع، عندنا 6 أطفال، 4 بنات وولدان، أحمد فى الصف السادس الابتدائى، وفرحة فى الصف الرابع، وبسمة فى المرحلة الابتدائية، وأمانى وهدى كبار، الولد الصغير سلامة عنده ثلاث سنوات ونصف، والقافلة الطبية عملت له عملية حول فى عينه والحمد لله بقى أحسن». وتابعت زوجته «فاطمة» الحديث قائلة: «لما زوجى اتحبس عشان قضية تصالح على الأرض اللى إخواته بنوا عليها عشان باسمه، وبعت حلق بنتى الكبيرة عشان أطلعه، ماكنتش لاقية تسويقة لعيالى، زى اللى الناس هنا بتشتريها يوم الجمعة، هنا عندنا السوق يوم الجمعة وبيسموه يوم العيد، لقيت بيتى مافيهوش حاجة ولا حد قال لى خدى هاتى حاجة لعيالك، وكنت باقضى الليل كله عياط، ولما حللت فى القافلة اكتشفت أنى عندى السكر». تصمت «فاطمة» لحظة وهى تنظر إلى السيراميك فى الأرض وفى الحمام والمطبخ، وتواصل: «شفت أيام صعبة كتير لكن (حياة كريمة) هى إيد ربنا اللى طبطبت علينا، فى الأول كانت الأرضية طينة، ولما المطرة تيجى الميه تدخل علينا من الباب والشباك، ونكون مش عارفين نعمل إيه والبنات يساعدونى، لكن ربنا بعت لنا حياة كريمة، لما الأرض بقت سيراميك التنظيف بقى سهل، ومابنحملش هم المطر، كله بينضف بسرعة، والسقف ساترنا وبيحمينا». «سعدية»: ماكناش عايشين وحياتنا اتغيرت على بُعد خطوات قليلة من منزل فاطمة وثابت، يقيم جمعة طه وزوجته «سعدية رزق»، وتأخذك السلالم الصغيرة إلى غرفة استقبال على اليمين، وبعدها الحمام وعلى الشمال غرفتان، لتنتهى الشقة بالمطبخ. وحكت «سعدية» عن حياتها فى البيت قائلة: «بقالى 20 سنة متجوزة، ماكناش عايشين لغاية ما جات حياة كريمة، والدنيا نورت وحياتنا اتغيرت»، مشيرة إلى أن لديها 4 أبناء؛ بنتان وولدان، تزوجت الابنة الكبرى بعد رفضها الاستمرار فى التعليم بسبب بُعد المسافة، وخوف والدها عليها. لم يختلف حال ابنتهما الثانية عن الابنة الكبرى كثيراً، حيث تركت التعليم وتعمل حالياً فى جنى ثمار الفاكهة بأجرة 60 جنيهاً فى اليوم، لتساعد والديها فى الإنفاق على أخويها اللذين ما زالا فى الدراسة. تابعت «سعدية»: «البيت كان بالبوص واتجوزت على كده، ده النصيب، جوزى بيشترى شوية حبوب غلة وذرة من الناس، ويبيعها فى السوق، وأنا باشتغل فى السوق ولما بقى معانا قرشين قمنا بتجهيز السقف بالتقسيط، وكان ينقصنا الشبابيك، وتجهيز الأرضية، وإدخال وصلات مياه». وأشارت إلى أنها كانت تحول المياه من مسجد القرية 6 مرات يومياً، ولم تكن تستقبل أحداً فى منزلها بالبوص الذى كان يخلو من الحمام والمطبخ، موضحة أن «حياة كريمة» فتحت شبابيك وأبواباً وجهزت المنزل، وقامت بتوصيل المياه للمنزل، وتابعت: «مابقتش مكسوفة ورافعة راسى قدام الكل، بادعى للرئيس السيسى ليل نهار، لأنه حاسس بينا، وعايزنا نعيش وإحنا مش محرجين، ولا مكسوفين». وتتمنى «سعدية» أن يصل مشروع الصرف الصحى إلى قريتها، بدلاً من اعتماد البيوت على آبار الصرف التى تُفرغ كلما امتلأت، عبر سيارات الكسح، التى تضطرهم للتخلص من مياه غسل الملابس أو ما شابه، عبر حملها لترميها بعيداً خارج البيوت.