الحديث عن أى إنسان وتحليل أحواله يصعب كلما تعددت جوانبه المتميزة، وما انفرد به عن غيره، وكذلك كلما تنوعت قدراته، فكيف إذا كان الحديث والكتابة عن أكمل البشر، الذى رعاه الله وهداه وأرسله للناس بشيراً ونذيراً؟ وإذا بحثنا عن الجانب الأخلاقى فى حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنجد أن العقل يقف فى ذهول أمام القمة الشامخة فى الأخلاق، ويرى نفسه أمام مجمع من الخلق الرفيع، فلا يملك إلا أن يقول: «صلوات الله وسلامه عليك يا سيد الخلق يا كامل الخلق». أول ما نراه فى هذا الأمر هو مدح القرآن لسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ووصف القرآن له، فقد ورد قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}، وقوله تعالى مبيناً مهمته الأساسية: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. وهذه بعض الصفات الإجمالية ممن صاحبوه: - كان صلى الله عليه وسلم لا يذم طعاماً ولا يمدحه. - وإذا دخل بيته قسم وقته ثلاثة أجزاء: جزء لربه، وجزء لأهله، وجزء لنفسه. - ولا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله. .. وصفه فى التوراة: روى البخارى عن عبدالله بن عمرو بن العاص: «صفة النبى (صلى الله عليه وسلم) فى التوراة: يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين، أنت عبدى ورسولى، سميتك المتوكل، ليس بفظ، ولا صخاب فى الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً». البخارى، 2125. .. عدله: عن المعرور، قال: لقيت أبا ذر بالرَّبذة وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألت عن ذلك، فقال: إنى ساببت رجلا فعيَّرته بأمه، فقال لى النبى (صلى الله عليه وسلم): «يا أبا ذر، أعيَّرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم». انظر كيف كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرعى حق الخدم ويطلب لهم المساواة فى الطعام والشراب وألا يكلفوا فوق طاقتهم. .. عفوه: إن عائشة زوج النبى (صلى الله عليه وسلم) حدّثتْهُ أنها، قالت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا رسول الله، هل أتى عليك يومٌ كان أشدّ من يوم أُحُدٍ؟ فقال: «لقد لقيتُ من قومك وكان أشدّ ما لقيتُ منهم يوم العقبة، إذْ عرضْتُ نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كُلالٍ، فلم يُجبْنى إلى ما أردْتُ، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهى، فلم أسْتفقْ إلّا بقَرْن الثّعالب فرفعْتُ رأسى، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلّتْنى، فنظرْتُ فإذا فيها جبريلُ، فنادانى، فقال: إن الله عزّ وجلّ قد سمع قول قومك لك، وما ردُّوا عليْك وقد بعث اللهُ إليْك ملك الجبال لتأْمُرهُ بما شئت فيهم»، قال: «فنادانى ملكُ الجبال وسلّم علىّ، ثُمّ قال: يا مُحمّدُ، إنّ اللهَ قدْ سمع قوْل قوْمك لك، وأنا ملكُ الْجبال، وقدْ بعثنى ربُّك إليْك لتأْمُرنى بأمْرك، فما شئْت، إنْ شئْت أنْ أُطْبق عليهم الأخْشبيْن»، فقال له رسول اللهِ (صلّى الله عليه وسلم): «بل أرجو أن يخرج اللهُ منْ أصْلابهم من يعبدُ اللهَ وحده لا يشرك به شيئا». .. تسامحه مع المنافقين: عن ابن عمر، قال: لما توفى عبدالله بن أبىّ المنافق، جاء ابنه عبدالله بن عبدالله الصحابى الجليل إلى رسول الله فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلى عليه، فقام رسول الله ليصلى عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال: يا رسول الله، وقد نهاك ربك أن تصلى عليه؟ فقال رسول الله: «إنما خيرنى الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]، فصلى عليه رسول الله، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [سورة التوبة: 84]. .. رحمته: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «مثلى ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلّتون من يدى». قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لكل نبى دعوة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتى شفاعة لأمتى فى الآخرة». قال ثابت: فقلت: يا أبا حمزة، ألست كأنك تنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكأنك تسمع إلى نغمته؟ فقال: «بلى والله، إنى لأرجو أن ألقاه يوم القيامة، فأقول: يا رسول الله، خويدمك. قال: خدمته عشر سنين بالمدينة وأنا غلام، ليس كل امرئ كما يشتهى صاحبى أن يكون، ما قال لى فيها: أف، ولا قال لى: لمَ فعلت هذا؟ وألا فعلت هذا!». وعن عائشة قالت: «ما ضرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد فى سبيل الله، وما نِيل منه شىء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيئا من محارم الله، فينتقم لله عز وجل». وعن أبى هريرة، أن رجلا أسود -أو امرأة سوداء- كان يَقُمُّ المسجد، فمات، فسأل النبى (صلى الله عليه وسلم) عنه، فقالوا: مات، قال: «أفلا كنتم آذنتمونى به، دلونى على قبره»، أو قال: «قبرها»، فأتى قبره فصلى عليه. عن أبى مسعود عقبة بن عمرو، قال: كنت أضرب غلاما لى بالسوط، فسمعت صوتا من خلفى: «اعلم، أبا مسعود»، فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا منى، إذ هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فإذا هو يقول: «اعلم، أبا مسعود.. اعلم أبا مسعود»، قال: فألقيت السوط من يدى، فقال: «اعلم أبا مسعود، أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام»، قال: فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا. وفى رواية: فسقط من يدى السوط، من هيبته. متفق عليه. وعن أبى قتادة الأنصارى، أن «رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يصلى وهو حامل أُمامة بنت زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبى العاص بن ربيعة بن عبدشمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها». .. شفقته بأمته: عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قال لى رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «يا عبدالله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟»، قلت: بلى يا رسول الله، قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله»، فشددت فشدد علىّ، فقلت: يا رسول الله، إنى أجد قوة، قال: «فصم صيام نبى الله داود عليه السلام». .. رحمته بالحيوان: وعن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود، عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخا، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبى (صلى الله عليه وسلم) فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها»، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: «من حرق هذه؟»، قلنا: نحن، قال: «إنه لا ينبغى أن يعذب بالنار إلا رب النار». هذا بعض الصفات الأخلاقية لرسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، فهل فى الكون مثله؟ وهل فى الدنيا مثل ما دعا إليه فى الحق؟ إن نصرة النبى (صلى الله عليه وسلم) هى بالتمسك بشريعته والأخلاق التى بعث لتمامها وكمالها.