هذه شهادتي لوجه الله حول جريمة قتل "هبة ونادين" في الشيخ زايد قبل سنوات، وأكتب شهادتي هنا بوصفي واحدًا ممن غطوا هذا الحادث منذ اللحظات الأولى لوقوعه حتى الوصول إلى المتهم ومحاكمته، وعرضت فيديو المعاينة التصويرية في برنامج 90 دقيقة بقناة المحور وكنت رئيسًا لتحريره، وكانت ولأول مرة تعرض المعاينة التصويرية في أي برنامج، والتقيت ليلى غفران وزوج ابنتها والذي كان متهمًا ومحاميها ومحامي عيساوي، وتابعت عن قرب التحقيقات التي جرت بإشراف المستشار المحترم حمادة الصاوي، المحامي العام لنيابات جنوب في الجيزة، وكذلك مع مدير مباحث أكتوبر في ذلك التوقيت اللواء أحمد عبدالعال، والمرحوم العميد مصطفى زيد رئيس مباحث مديرية أمن أكتوبر (كانت أكتوبر وقتها محافظة قبل أن تعود من جديد إلى الجيزة). 1- المصادفة وحدها جمعت في شهر واحد بين تنفيذ حكم الإعدام في الشاب محمود عيساوي الذي أدين بقتل "هبة ونادين" وبين مسلسل "ابن حلال".. المسلسل يحاكي الجريمة التي وقعت في كمبوند بالشيخ زايد في العام 2008، وينكر أبطاله القصة كاملة ويقسم الواحد منهم بالله وأنا وأنت وغيرنا لا يصدقهم. 2- مهنة البطل (محمد رمضان) في المسلسل "مبيض محارة"، وكان عيساوي "نقاشًا".. والدة إحدى القتيلتين (وفاء عامر) في المسلسل "فنانة ومن المغرب"، وكأن ليلى غفران من بنها مثلا أو كفر طهرمس وليست من المغرب.. الأستاذ أحمد فؤاد سليم يؤدي دور وزير ولابس نضارة ولديه شارب مثل شارب نظيف ويقسم بالأمس ل "وائل الإبراشي": والله ما أعرف ولا جه في دماغي أحمد نظيف أبدًا (نظيف ارتبط اسمه بشائعة حينها تتهم ابنه بتنفيذ الحادث). 3- لغط كبير دار ولم يزل مع عرض المسلسل وقال الكثير: "الواد اتعدم ظلم.. محمود عيساوي بريء.. المسلسل أهو.. الحقيقة أهه.. والمسلسل صح" وكأن المسلسل هو الشاهد وأدلة الثبوت وأدلة النفي والمعاينة والتحقيقات ورجال النيابة وضباط الشرطة.. وهكذا وهكذا. 4- أفتكر إن الجريمة حصلت في الساعات الأولى من يوم خميس في شتاء 2008 ولقيت المحترم وائل صبري، رئيس نيابة حوادث جنوبالجيزة، بيكلمني ويقول لي: "واحد قتل صاحبة بنت ليلى غفران وبنت ليلى نقلوها المستشفى وبعد شوية رجع لي وقال بنت ليلى غفران ماتت.. لقوهم مقتولين في شقة نادين صاحبة هبة، والقضية بقت رأي عام وفي الإعلام بقى اسمها قضية هبة ونادين.. ورحنا المكان في كمبوند مقفول في الشيخ زايد للمتابعة والتغطية الصحفية ب"المصري اليوم". 5- كان فيه لغط كبير بعد ما محمود عيساوي اتقبض عليه بعد نحو أسبوع من الجريمة، والكل قال إزاي واحد من شبرا يقتل بنتين في كمبوند مقفول في الشيخ زايد.. وإيه اللي جابه من شبرا مصر إلى غرب الجيزة.. يومها الله يرحمه العميد مصطفى زيد، رئيس مباحث مديرية أمن أكتوبر، قال لي مش هتصدق الأدلة إيه، وقال: "ورقة شجر لقينا عليه دم واحتفظنا بالورقة دي وبعتناها لعمل تحليل للدم والتحفظ على العينة.. الواد مسكناه لأنه يوم الجريمة سرق تليفون واحدة من الضحايا وهي نادين وباعه لأحد أصدقائه، وإحنا وصلنا للمتهم بعدما وصلنا للشخص اللي كان معاه التليفون بتاع نادين، وسألناه مين اداك التليفون ده، وقال أنا اشتريته من واحد جارنا اسمه محمود عيساوي". 6- والحقيقة أنه لولا الموبايل وسرقته وبيعه بهذه الطريقة، ما كانت الشرطة وصلت إلى المتهم بقتل هبة ونادين حتى كتابة هذه السطور، فليس معقولًا أن تأخذ أجهزة التحقيق عينات من دم مئات أو آلاف لتصل إلى "الجاني" لتضاهي الدماء بدماء عثرت عليها بورقة الشجرة. 7- الشرطة ضبطت المتهم، وأُحيل إلى نيابة حوادث جنوبالجيزة، وكإجراء طبيعي- هكذا روى لي رئيس النيابة- تم خلع ملابسه لبيان تعرضه لتعذيب أو ضرب من عدمه، ولاحظ رئيس النيابة والفريق المعاون له أن الفانلة الداخلية للشاب ملطخة بالدماء، وتم التحفظ عليها وأخذ عينة من دماء "عيساوي" ومطابقتها بالدماء التي عثر عليها بورقة الشجرة، وحدث التطابق، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وحدث تطابق بين عينة من دماء "نادين وهبة" والدماء التي كانت موجودة ب"فانلة عيساوي". 8- في ذلك التوقيت، الإعلام شكَّك في رواية الداخلية وذهبت الاتهامات تجاه الشاب "علي"، زوج القتيلة هبة ابنة ليلى غفران، وكان الاتهام مصدره ليلى غفران ومحاميها. 9- الاتهام جاء لأن آخر اتصال مدته 25 ثانية كان بين هبة ابنة ليلى غفران وبين "علي"، وكان التوقيت في السادسة ونصف صباحًا، وقالت أسرتها: "ممكن يكون قتلها وعمل اتصال من تليفونها لتليفونه ليزيح عنه الاتهام". 10- النيابة استجابت لاتهام ليلى غفران، واستدعت "علي" وقال إنه في ذلك التوقيت وحين تلقى اتصالًا كان في منزله بمنطقة مصر الجديدة وقالت له هبة: "الحقنا إحنا بنموت.. أنا عند نادين في شقتها"، وقال "علي" إنه تحرك بسيارته ووصل إلى الشيخ زايد بعد 25 دقيقة من الاتصال، وطلبت النيابة ما يسمى ب"التتبع الجغرافي لهاتف علي"، وأوضح التتبع أن روايته صحيحة ووقت الجريمة كان في شقته بمصر الجديدة، واستقل أحد أعضاء النيابة سيارة "علي" في السادسة ونصف صباحًا من مصر الجديدة، وطلب منه أن يتحرك إلى الشيخ زايد بنفس السرعة التي كان يقود بها السيارة.. وحدث، ووصل الشاب في مدة زمنية مقاربة للمدة التي تحدث عنها في التحقيقات. 11- محامي محمود عيساوي وقال إن "ناس كبار ورا الجريمة وأن ابن أحمد نظيف هو اللي قتل"، اللي عايز أقوله إن محكمة الجنايات أصدرت حكمها بإعدام "عيساوي" وتم النقض على الحكم، وفي إعادة المحاكمة عاقبته دائرة أخرى بالإعدام. 12- المستشار محمد عبدالرحيم إسماعيل، رئيس محكمة الجنايات، وهو الذي نظر القضية في إعادة المحاكمة، واتخذ إجراءً هو الأول من نوعه في المحاكم المصرية.. اصطحب المتهم إلى مسرح الجريمة لإجراء معاينة تصويرية. 13- القاضي جاب مجند، وقال له اطلع نط من البلكونة زي ما المتهم وصف له، فأول مجند معرفش يطلع، المهم جابوا مجند نحيف شوية (في جسم عيساوي كده).. الواد طلع.. وبعدها القاضي خد عيساوي وطلع بيه الشقة.. وسأل: "هي فين الستارة اللي كان واقف وراها المتهم"، وأخد "عيساوي" من إيده وراح ناحيتها، وسأله فجأة: "هي هبة ونادين كانوا فين بقى؟" الولدة رد في "فيمتوثاينة بتوع زويل" وقال له: "التخينة كانت هنا.. والرفيعة كانت في الأوضة دي"، لأنه مكنش يعرف مين فيهم هبة ومين فيهم نادين، وغير مسار القضية رغم إننا كنا واثقين إن القاضي ده هيديلوا براءة !! لأن القاضي هو الذي برأ المتهم في قضية مذبحة بني مزار.. الشاب الذي اتهمته الشرطة والنيابة بقتل 10 في عزبة شمس الدين. 14- في النهاية.. هبة ونادين بين يدي الله، ومحمود عيساوي أيضًا بين يدي خالقه، لم يكن أحد مع "الثلاثة" حين وقعت الجريمة، كثيرًا ما تكون الجرائم دون شاهد عيان، ولكن مسرح الجريمة هذا "الشاهد الصامت" يبوح دائمًا بكثير من الأدلة.. وقد باح.