بين شارع مجلس الوزراء وميدان "لاظوغلي"، حتى وزارتي الداخلية والعدل، يرقد شاهدا على حقبة تاريخية مضت، حفرت التصدعات والشروخ علامتها على مر السنين، لتنذر بكارثة فقدان المبنى الباقي من القصر، الذي لم يتبق له من عصره السابق سوى اسمه "سراي إسماعيل صديق باشا"، بعد أن امتدت له ايدي الإهمال، لتكتب شهادة وفاته، وثلوث جدرانه الخارجية رسومات "الجرافيتي"، لينضم لسلسلة القصور التي أصبحت مأوى للحيوانات الضالة. يعد القصر تحفة معمارية متأثرة بطراز النهضة الأوروبي، كغيرها من قصور الأمراء والباشوات في القرن التاسع عشر الميلادي، التي تميزت بالمبالغة في العناصر الزخرفية المزينة للواجهات، مع الاحتفاظ بالقوة والفخامة، ويمثل طفرة معمارية في ذلك الوقت، ليستمر حتى الآن بموقعه الفريد و طرازه وألوانه التي بدأت في الذبول، ليجبر من يمر بجواره على تأمله، ليسأل عن قصة القصر، الذي تبدو عليه علامات الحزن والانكسار. "أصل باب النجار مخلع".. جملة قالها أحد أفراد الأمن المكلفين بحراسة القصر.. يضيف الرجل الخمسيني، التي تبدو على وجهه علامات الحزن، على مبنى مكلف بتأمينه، في طريقه للانهيار، بعد أن أمضى عمره في حراسته حتي أصبح جزءًا منه.. " المكان ده تاريخنا وماضينا، واللي معندوش ماضي معندوش مستقبل، وزارة الآثار لازم تاخد بالها شوية، القصور بقت مرتع للحيوانات وقطاع الطريق". وعلى الرغم من أن القصر يضم مجموعة من الملحقات الإدارية، حيث يوجد به المقر الإداري لقطاع المشروعات وقطاع المتاحف بوزارة الدولة لشؤون الآثار، إلا انه لم ينج بشكل كبير من الانتهاكات والإهمال، فقد انهار منذ أيام، المدخل الرئيسي للمبنى، بعد ترميمه منذ 6 سنوات بمبلغ مالي وصل إلى 200 مليون جنيه، علي خلفية حدوث تشققات ناتجة عن هبوط أرضي، وبعض المشاكل الأخرى، فقد عانى القصر من تآكل أجزاء من الأسقف، وشروخ في الرسومات الموجودة بالأسقف والجدران، وتدهور للوحات الجدارية النادرة. بني القصر عام 1876، ليصبح مقرًا لوزارة المالية، ويحمل اسم صاحبه "إسماعيل صديق باشا"، شقيق الخديوي إسماعيل في "الرضاعة"، والمعروف ب"إسماعيل المفتش"، نسبة إلى عمله مفتشًا عامًّا لأقاليم القطر المصري، ليسند له بعد ذلك وزارة المالية، ويرجح البعض بأنه السبب في استدانة الحكومة نحو ثمانين مليون جنيه، وتبديد الملايين من الجنيهات، و يري البعض الآخر أنه ضحية الصراع الأوروبي على مصر، وأنه دفع حياته ثمنًا لموقفه الوطني ضد التدخل الأوروبي في "المحروسة". و تضاربت الأقوال حول مقتل إسماعيل باشا، واختفائه، على خلفية الأزمة الاقتصادية في مصر، بعد عصر الخديوي إسماعيل، لينتقل من قمة السلطة إلى قفص الاتهام، ويظل أثره باقيا بعد عقود، من خلال القصر الرابض وسط أحد أشهر ميادين القاهرة.