إن أصعب المواقف الإنسانية التى قد يصادفها المجتمع هو أن یفقد الكبیر احترامه وتوقیره فى مجتمعه. إن لكبار السن فى بلدنا حقوقاً علينا. عرفاناً منا لما قدموه، ورداً للجميل على ما بذلوه. أجيال أفنت عمرها فى بناء هذا الوطن. أجيال نبيلة أعطت أكثر مما أخذت، فليس من الوفاء أن يهملوا أو يتركوا فريسة الضعف أو العجز والمرض، بل يجب علينا جميعاً العمل على رعايتهم والعناية بهم منطلقين فى ذلك من ديننا وقيمنا ومبادئنا وأخلاقنا. وفى سبيل إعادة تصويب المسار الاجتماعى والاقتصادى فى جمهورية مصر العربية فإن تحقيق العدل الاجتماعى هو الضامن الأساسى لبناء مصر الحديثة وصمام الأمان لها، وتأتى المشكلات التى يواجهها أصحاب المعاشات فى مصر كإحدى أهم المشكلات التى يجب أن يتم التعامل معها بطريقة تعيد الكرامة الإنسانية لأصحابها وفاءً منا لعطاء لم يعرف معنى الحدود. فعلى مر السنين لم تلتفت الحكومات المتعاقبة إلى تصحيح أوضاع أصحاب المعاشات فى مصر بصفة عامة، وبصفة خاصة لم تنظر إلى قيمة العلاوة السنوية رغم عدم عدالتها لأصحاب المعاشات بصفة عامة وبصفة خاصة أصحاب المعاشات الصغيرة الذين يحصلون على معاشات لا تتجاوز الخمسمائة جنيه. إننى أدرك تماماً الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها جمهورية مصر العربية، إلا أن ما أطلب به من عدل اجتماعى ليس ما قبل المطالب الفئوية بل هو التزام وفرض علينا نحو رعاية كبار السن، وحقوقهم وواجبنا نحوهم لكى يحصلوا على دخل كافٍ يتيح لهم حياة كريمة فى شيخوختهم تكريماً ووفاءً لهم. إن تصحيح أوضاع أصحاب المعاشات بصفة عامة وبصفة خاصة أصحاب المعاشات التى تقل عن الخمسمائة جنيه لنرفعهم من تحت خط الفقر إلى خط الستر والكرامة هو واجب القائمين على الدولة الآن من خلال إعادة النظر فى قيمة العلاوة الدورية السنوية. إن المساواة فى بعض صورها قد تكون ظلماً لذا فإن تقرير العلاوة الدورية السنوية بنسب مئوية ثابتة لكل أصحاب المعاشات من شأنه أن يظلم أصحاب المعاشات الأقل، ومن ثم فإن هذا الأمر يتوجب معه إعادة تقرير قيمة العلاوة الدورية السنوية بنسب متفاوتة تعطى أصحاب المعاشات الأقل النسبة الأكبر بحيث تتراوح فى شرائح مختلفة ما بين ثلاثين بالمائة للشريحة الأقل معاشاً وخمسة بالمائة للشريحة الأكبر معاشاً وبذلك نحقق العدالة من ناحية ونضمن توفير الحياة الكريمة لكل أصحاب المعاشات من ناحية أخرى. إن مقیاس انضباط الأمة الأخلاقى يبدأ من استعادة الكبار للاحترام والتوقير من جديد، ونجد فى دول العالم المتقدم كيفية الاعتناء بكبار السن وتسهيل حياتهم من خلال منحهم بطاقة كبار السن التى توفر لهم الحصول على تخفيضات فى المواصلات، الكهرباء، الغاز، أسعار العلاج. إننا هنا نطالب فقط بتوفير الحد الأدنى للمعيشة والمعاملة الإنسانية الكريمة التى تليق بهم وتحترم شيخوختهم. إن تكريم كبار السن يرتبط بتقدير البلد لقيمة الإنسان. یقول سيد الخلق رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ((لیس منا من لم یوقر الكبیر، ویرحم الصغیر، ویعرف لعالمنا حقه)).