فى إطار جهود البنك المركزى المصرى التى يبذلها للحفاظ على سلامة النظام النقدى والمصرفى والتحوط لأى أحداث قد تطرأ خلال الفترة المقبلة بسبب تداعيات جائحة كورونا، قرر البنك المركزى منع البنوك من توزيع أرباح نقدية على المساهمين لحماية السيولة لديها، خاصة فى ظل عدم وضوح الرؤية بشأن الموعد المحدد لانتهاء الوباء ومدى تأثيره على الوضع الاقتصادى خلال الفترة المقبلة. وأكد طارق عامر، محافظ البنك المركزى، أن قرار عدم إجراء توزيعات نقدية من أرباح العام أو الأرباح المحتجزة القابلة للتوزيع على المساهمين، يهدف لتدعيم القاعدة الرأسمالية للبنوك، لمواجهة المخاطر المحتملة نتيجة استمرار انتشار جائحة كورونا، مشيراً إلى سماح البنك المركزى للبنوك بإجراء توزيعات للعاملين وصرف مكافآت لأعضاء مجالس الإدارة عن العام المالى 2020. ويأتى القرار بعد مرور نحو 3 أشهر على صدور قانون البنوك الجديد رسمياً، والذى يُلزم البنوك برفع رؤوس أموالها إلى 5 مليارات جنيه للبنوك المحلية، و150 مليون دولار لفروع البنوك الأجنبية، وهو ما يتطلب توافق نحو 32 بنكاً من أصل 38 بنكاً عاملاً فى السوق المصرية. وعلى الرغم من عدم توافق الكثير من البنوك مع متطلبات رأس المال الجديدة، فإن العديد من البنوك تمتلك قاعدة حقوق ملكية قوية تمكنها من زيادة رؤوس أموالها المدفوعة عبر التحويل من الأرباح المحتجزة خلال الفترة المقبلة. وكان البنك المركزى أصدر تعليمات للبنوك فى مارس الماضى بمد أجل استحقاقات القروض للشركات والأفراد لمدة 6 أشهر لتخفيف العبء المالى على المقترضين، وهو ما يشير إلى أن التعليمات الأخيرة للبنك المركزى تتوقع سلسلة من حالات التخلف عن سداد القروض لدى البنوك، والتى استعدت بدورها لمواجهة السيناريوهات الأسوأ، حيث رفعت مخصصات خسائر القروض تحسباً لعدم السداد، أو أى مخاطر تعثر خلال فترة الأزمة. واستطلعت «الوطن الاقتصادى» آراء قيادات البنوك ومحللى بنوك الاستثمار حول الهدف من القرار وتأثيره المتوقع على البنوك المدرجة فى البورصة، وأيضاً تأثيره المحتمل على المساهمين الذين يعتمدون بشكل كبير على التوزيعات السنوية لهذه الأرباح. «القاضي»: احتجاز الأرباح إجراء تحوطي لمواجهة الأزمة وفى هذا الصدد، يرى أشرف القاضى، رئيس المصرف المتحد، أن البنك المركزى يستهدف الحفاظ على أموال المودعين فى المقام الأول وسلامة القطاع المصرفى من أى مخاطر قد تحدث فى الفترة المقبلة نتيجة تداعيات كورونا من خلال تعزيز رأس مال البنوك بمعدلات سيولة مرتفعة، حيث يعد احتجاز الأرباح قراراً تحوطياً ضد أى مخاطر، وعلى المدى الطويل سيعزز من المراكز المالية للبنوك. وأشار إلى أن البنوك العاملة فى السوق المحلية رحبت بقرار البنك المركزى باحتجاز أرباح العام، خاصة مع عدم وضوح الرؤية حول مدى استمرار الجائحة وتأثيرها على الاقتصاد. «أبوالفتوح»: القرار يستهدف تعزيز المراكز المالية للبنوك وقال يحيى أبوالفتوح، نائب رئيس البنك الأهلى المصرى، إن القرار إيجابى على جميع البنوك لتقوية مراكزها المالية لمواجهة تداعيات كورونا، موضحاً أن احتجاز الأرباح سيعزز من رأس مال البنوك الصغيرة، كما أنه يخفف العبء عن البنوك الكبيرة والذى قد يتضاعف نتيجة تداعيات الأزمة الحالية فى ظل نمو الاستثمارات الموجهة لأدوات الدين الحكومية لدعم الاقتصاد ومساندته للعبور بأقل الخسائر من تلك الجائحة. فيما يرى عاكف المغربى، نائب رئيس بنك مصر، أن القرار أحد الإجراءات الاحترازية المهمة التى استخدمها «المركزى» للحفاظ على أموال المودعين ولتدعيم القاعدة الرأسمالية للبنوك وجعلها أكثر صلابة وقدرة على مواجهة الأزمات، خاصة فى ظل التفشى السريع للموجة الثانية. وتابع «المغربى» أن البنك المركزى دائماً ما يتخذ إجراءات استباقية حفاظاً على استمرار النشاط الاقتصادى والحد من الخسائر المحتملة التى قد تحدث نتيجة تداعيات كورونا، مضيفاً أن الموجة الأولى من الجائحة شهدت قبل دخولها مصر إطلاق 4 مبادرات قومية لمساندة قطاعات اقتصادية مهمة فى الدولة، وذلك بخلاف اتخاذ 14 قراراً احترازياً ووقائياً، فضلاً عن إطلاق مبادرات أخرى ما بعد تفشى الجائحة لمساندة عملاء البنوك من تأجيل سداد الأقساط الائتمانية وتقديم الخدمات الإلكترونية مجاناً، وغيرها من الإجراءات التى ساندت الاقتصاد المحلى من مؤسسات وأفراد. فيما قالت رضوى السويفى، رئيس قسم البحوث فى بنك الاستثمار «فاروس»، إن القرار يهدف إلى مساعدة البنوك للوصول للحد الأدنى لرأس المال البالغ 5 مليارات جنيه، والذى حدده قانون البنوك الجديد. وأشارت إلى أن القرار يُعزز أيضاً زيادة رأس مال البنوك الأقل من 5 مليارات جنيه بشكل أسرع من الموعد المحدد، كما أنه يعوض المساهمين من خلال توزيع أسهم مجانية، ما يساعد على الاحتفاظ بالأرباح والأرباح المرحّلة داخل حقوق المساهمين وزيادة رأس المال. ولفتت رئيس قسم البحوث إلى أن القرار يدعم البنوك فى تعزيز نسبة كفاية رأس المال لتحقيق متطلبات بازل 3. من جانبه، قال شهاب محمد حلمى، محلل قطاع البنوك ببنك الاستثمار «برايم»، إن تأثير القرار متباين على البنوك، حيث سيكون متعادلاً على البنوك الصغيرة والتى بحاجة إلى تدعيم قاعدة رأسمالها. وأشار «حلمى» إلى أنه كان من المقرر بدء توزيع بنك أبوظبى الإسلامى أرباحاً نقدية لعام 2020، والذى سيتوجه الآن لتدعيم قاعدته الرأسمالية بدلاً من ذلك. وفيما يخص البنوك الكبيرة، أوضح «حلمى» أن التأثير سيكون سلبياً، نظراً للقاعدة الرأسمالية الكبيرة التى تمتلكها وليست بحاجة إلى تدعيم قاعدتها الرأسمالية، مشيراً إلى أن هذه البنوك كانت توزع أرباحاً نقدية على المساهمين بصورة منتظمة فى حدود جنيه واحد لكل عام. وأشار إلى أن أبرز البنوك الكبيرة التى توزع أرباحاً منتظمة على المساهمين هى: البنك التجارى الدولى، الذى يمتلك حقوق ملكية تصل إلى 54 مليار جنيه، وبنك قطر الوطنى الأهلى، الذى يمتلك حقوق ملكية تبلغ 38 مليار جنيه، بالإضافة إلى بنك فيصل الإسلامى المصرى، الذى يمتلك حقوق ملكية تصل إلى 13.6 مليار جنيه، وبنك التعمير والإسكان بحقوق ملكية تصل إلى 7 مليارات جنيه. وحول توقعاته للخيارات المتاحة أمام البنوك لتعويض المساهمين المتضررين من القرار، قال إن البنوك ستقوم بتوزيع أسهم مجانية على المساهمين، والاحتفاظ بالأرباح المحتجزة لتدعيم القاعدة الرأسمالية لديها.