ليس هناك من بين المسلمين أو حتى من الأقباط المعتدلين من لم يتأذ لمحتوى ذلك الفيلم الهابط المسف الذى لا يصلح أن يكون مشروعاً لتخرج طالب فى معهد السينما، وذلك لما يحتويه من سفالة وتطاول على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ومعظم الذين خرجوا للتظاهر من خلال ردود فعل عنيفة لم يشاهدوا الفيلم، ولم يعرفوا محتواه، على الرغم من أن محتوى الفيلم ليس جديداً، فكل ما ورد فى حوار ذلك الفيلم المهلهل إنما هو ترديد لادعاءات وافتراءات بعضها مما ورد فى روايات اليهود والإسرائيليات، والبعض الآخر مما ذكر على لسان بعض المستشرقين المغرضين الذين حاولوا الطعن فى الإسلام من خلال بعض الأحداث، ومنها انقطاع الوحى بعد موت ورقة بن نوفل، وتعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه -والعياذ بالله- كان شهوانياً تجاه النساء، وقصة دخول «حفصة بنت عمر بن الخطاب» عليه صلى الله عليه وسلم مع زوجته أو أمته «ماريا القبطية» وغيرتها وعتابها له قائلة: أفى يومى وعلى فراشى؟ وقد فندت د. بنت الشاطئ هذه الحكايات بالتفصيل فى كتابها «نساء النبى»، وكذلك الادعاء بأن الإسلام دين دموى انتشر بحد السيف، وشذوذ المسلمين وحبهم للغلمان، وغيرها من تلك السفالات والأكاذيب التى تأخذ جزءا من الحدث وتدخل عليه الأكاذيب على طريقة «لا تقربوا الصلاة» دون أن تكمل بقية الآية، وقد تم الرد على كل هذه الادعاءات الباطلة والسافلة وتفنيدها على مر الأزمان من علماء وجهابذة المسلمين الذين أفحموا من يرددونها، ومن بينهم فضيلة الشيخ الشعراوى والغزالى ود. عائشة عبدالرحمن رحمهم الله وغيرهم فى العصر الحديث. وكم كنت أتمنى أن يكون الرد على هذا الفيلم الوقح بفيلم محترم يشرف على أحداثه علماؤنا الأجلاء يفند مثل هذه الادعاءات الباطلة، وأيضاً من خلال أفلام تسجيلية مترجمة توضع على «اليوتيوب» وترتبط باسم هذا الفيلم حتى يكون الرد بنفس الأسلوب، بدلاً من أن نستدرج لهذه الفوضى والاعتداءات على السفارات وحرقها، والسفراء وقتل بعضهم، والتى أظهرتنا كمسلمين بصورة غير حضارية، وروجت لهذا الفيلم الهابط البذىء الذى صوره مخرجه الوقح فى حديقة منزله، ولكنهم حقاً يعرفون كيف يستفزوننا وصدق المثل الإنجليزى القائل «لا ترقص أبداً على إيقاع عدوك» بدلاً من أن نثبت الصورة التى أراد لنا الفيلم أن نظهر بها. ومع كل هذا، فإننى أؤكد أن من بين المسلمين من يضر الإسلام أكثر مما فعل هذا الفيلم، فهناك مقولة أرددها دائماً: اللهم اكفنى شر أصدقائى أما أعدائى فأنا كفيل بهم، فالطلقة التى تأتينى من عدوى أكون متهيئاً لاستقبالها وتفنيدها وصدها، أما التى تأتينى من صديق فأنا لا أتوقعها ويمكن أن تصيبنى فى مقتل، وما أراه على شاشات الفضائيات من بعض من يطلقون على أنفسهم شيوخا، وبعضهم يحمل درجة الدكتوراه يمكن أن يضر الإسلام ويؤذى الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر مما فعل ذلك الفيلم، فالرسول يكفيه ربه الذى قال له «إنا كفيناك المستهزئين» وقال له أيضاً «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا»، أما أن يخرج علينا أستاذ فى التفسير وهو د. عبدالله بدر الذى سب وقذف فنانة لها الكثير مما لا يعجبنى -وهى إلهام شاهين- لكى يبرر فعلته هذه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر والصحابة كانوا يسبون ويلعنون من يستحق ذلك -ومنهم المجاهر بالمعصية- فهذا قول مغلوط واستشهاد فى غير محله، فهل بعد الكفر ذنب يا أخى؟ ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم يدعو للكافرين بقوله: اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون، وربما يخرج من أصلابهم من يعبدك ويسبح بحمدك، هكذا كان صلى الله عليه وسلم كما وصفه المولى عز وجل «وإنك لعلى خلق عظيم» أما أن تخرج علينا بقول لأبى بكر هو ابن لألفاظ تلك البيئة التى كانوا يعيشون فيها آنذاك، فهذا تجنٍ على أبى بكر الصديق أرجو أن تتقى الله فيه، ثم تستشهد بالقرآن وتسأل: هل القرآن شتام عندما قال «ثم رددناه أسفل سافلين» فأنا وصفتها بالسفالة وهذا وصف موجود فى القرآن، والله حرام عليك، فالقرآن كلام الله عز وجل الذى «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون» وقد قال هذا الوصف عن غير المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات، واستخدام الكلمة فى غير موضعها أو معناها الشائع فى بيئتها يمكن أن يكون سباً بل كفرا، فأنا لو نعتك بالكفر أبوء بها مع أنها مذكورة فى القرآن الكريم، وتقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لعن شخصاً بعد أن خرج من عنده، أى أنه اغتابه ولعنه، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يُبعث شتاماً ولا لعاناً ولا بذيئاً، وإنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق، ففى الحديث الصحيح: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا، ولا لعانا، ولا سبابا»، والكارثة أنك بدلاً من أن تعترف بخطئك، وتترفع على نفسك بالاعتراف بالحق، ذهبت تبرر من الدين جواز السب واللعان والقذف، وربما يتبعك آخرون فتحمل أوزارهم أمام المولى عز وجل إلى يوم الدين، اتق الله ياشيخ ولا تفعل مثلما يفعل المحامى الذى يدرس القانون ليعرف ثغراته، ثم يحاول أن يبرئ بها المجرمين بدلاً من أن يفتح الله عليه وينقذ الأبرياء، واعلم أن الله عز وجل قال لرسوله صلى الله عليه وسلم «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك» وهذا رسول الله، فما بالك أنت وأمثالك. أما ما يقوله «الشيخ» وجدى غنيم فحدث ولا حرج عن الألفاظ والبذاءات والشتائم التى يندى لها الجبين، والتى طالت الجميع مسيحيين ومسلمين، حتى الشيوخ الأفاضل مثل محمد حسان وعمرو خالد وطارق السويدان وغيرهم لم يسلموا منه، فهل هذا هو الإسلام يا شيخ؟ أنسيت «وهل يكب الناس على مناخيرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهمس حديث صحيح. أرجوكم لا تأخذكم نشوة الأضواء والكاميرات، واعقلوا فرامل ألسنتكم، وانفعونا بعلمكم، ولا تنفروا الناس من المسلمين بعيداً عن أخلاق وسلوك الإسلام.