"يا أيها اللذين آمنوا أذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا.. المجد لله في الأعالي وعلى الرض السلام وبالناس المسرة.. مولاي صل وسلم دائما أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم".. مزيج روحاني يتخللك، لا يسعك أمامه سوى أن تغلق عينيك، وتسبح بروحك في ملكوت آخر، تخلقه لك فرقة "سماع" للإنشاد الصوفي. عقارب الساعة تقترب من التاسعة مساء، يزداد معها المرتادين على الحفل والمتابعين للفرقة، زحام يضطرد، رغم الاعتقاد بأن "رمضان" سيؤثر على عدد الحضور، الرغبة في الدخول واختيار أماكن مميزة تساعدك في الاستمتاع بأكبر قدر ممكن، تقود للتدافع بين الحاضرين، فالأمر يستحق - في نظرهم - الوقوف كثيرا، وتحمل الزحام، وارتفاع درجة الحرارة المصاحب له. 5 جنيهات، قيمة تذكرة العبور للرحلة الروحانية التي تصطحبك فيها فرقة "سماع"، لتبعث لك برسالة سلام تحملها على أعناقها، زحام تتخلله أصوات المنظمين، حتى تختفي تمام.. الجميع يترقب دخول الفرقة، تصفيق حاد مع دخول أعضائها من المنشدين الصوفيين، وشماسي الكنيسة، والفرقة الإندونيسية، لتبدأ الملحمة التي تخلف لك عالما خاصة، وهالة تحيط بك، تفصلك عما حولك تماما. "رسالة سلام".. مجموعة بالفرقة، يقودها الدكتور انتصار عبد الفتاح، مؤسس فرقة سلام الدولية.. اسم على مسمى.. يبعث الفريق رسالة سلام شهرية للعالم تحمل المعاني السامية التي يقدمها من خلال الألحان والتواشيح والأناشيد، كما أوضح ل"الوطن".. تأكيد جوهر الأديان والمحبة والتسامح والسلام والتفرد بالشخصية المصرية، حروف تشكل الرسالة التي يسعى لها الفريق. تتعالى الأصوات داخل مركز الإبداع بقبة الغوري، "يا جمال النبي يا صلاة النبي.. والله العظيم يا ناس ما لينا غير النبي".. ثم تأخذك في رحلة من قلب الكنيسة ليصمت الجميع، مع تعالي الألحان القبطية التي لا يفهمها الكثيرون، لتهدأ النفس، ويأسرها من جديد عذوبة صوت الفرقة الإندونيسية تناجي الله "وما تقلبت من نومي ولا يا رب في سنتي.. إلا وذكرك يا رب بين النفس والنفس". يتراص الحاضرون في صفوف، يتخللهم آخرين لم يسعدهم حظهم في الحصول على مقعد، فأبوا الرحيل، متخذين من الأرض مجلسا لهم، أو واقفين على الجوانب، اندمج الجميع في كتلة واحدة، رغم وجود بعض الشخصيات الهامة من وزارة الثقافة، التي يتبعها مركز الإبداع. لم يتلهف الجميع لحضور الحفل، كونه الأول في رمضان، ولكن حرصت الفرقة وأعضائها على تقديم تلك الملحمة الروحية في شهر الروحانيات، وتصميم أعضاء الفريق الأقباط على نسج الخليط الواحد بالأناشيد الصوفية والألحان القبطية في شهر الصوم، قبل انطلاق الدورة السابعة من مهرجان سماع الدولي، لتنضم له 27 دولة حول العالم لبعث "رسالة سلام". عيون هائمة، وعقول مستكينة لا تفكر في هموم اليوم وكل يوم، وضعت الحياة جانبا بكل ما فيها جانبا، لتسرق لحظات من السماء تبعثها ملائكة السلام أمامهم، بقلوب تسبح وتمجد معها، وطفل يشدو، يقدمه مؤسس الفرقة، تميل لصوته الرؤوس ويبعث في الروح السكينة، رغم صغره استطاع أن يصل برسالته لقلوب مستمعيه. تواشيح، ومقامات، وأناشيد، وألحان كنسية، وإيقاعات أوبرا، وعذوبة صوت، ترغمك على التناغم مع المزيج الروحي، فتجد يدك تصفق وحدها، وشفتاك تسبح معهم، ويقشعر بدنك عند تعالي الأصوات معا في طبقات متناغمة تذيب الأديان معا، وتجعل الأنبياء والرسل والمؤمنين يسبحون سويا لله.. "سلام الله على طه رسول الله.. سلام الله على موسى رسول الله.. سلام الله على عيسى رسول الله"، ثم تبتسم للخلق وتنهي رسالتها ورحلتها للأديان "سلام الله.. صلاة الله على الإنسان في كل مكان".