المتحرشون ليسوا نوعاً واحداً وإنما أنواع مختلفة، ولكل نوع دوافعه وتركيبته النفسية وله ما يناسبه من وسائل الردع أو الإصلاح، وهذا مهم فى التعامل النوعى مع ظاهرة التحرش، ولذا فسوف نتتبع التركيبة النفسية لعملية التحرش على المحاور الآتية: 1 - المتحرش: قد يكون المتحرش من النوع السادى الذى لا يستمتع بالعلاقات الجنسية العادية وإنما يسعده أن يأخذ ما يريده من الطرف الآخر بقدر من العنف والإجبار والقهر، أو يكون من النوع «الاستعرائى» الذى يجد متعته فى استعراض أعضائه التناسلية أمام الضحية، ويستمتع بنظرة الدهشة والاستغراب والخوف على وجه من يراه، وكثير منهم تحدث له النشوة ويقذف لمجرد حدوث هذه الأشياء. وهناك النوع «التحككى» الذى يجد متعته فى الالتصاق بالضحية فى الزحام والتحكك بها حتى يصل إلى حالة النشوة والقذف. أما النوع «الهستيرى» فيغلب وجوده فى النساء، حيث تتحرش المرأة الهستيرية بالإغواء والإغراء للرجل الضحية لفظياً وجسدياً، حتى إذا تحرك نحوها صرخت واستغاثت بمن حولها لإنقاذها من هذا الحيوان الذى يريد اغتصابها، والشخصية الهستيرية تفتقد الثقة فى نفسها، لذلك تسعى للإغواء والإيقاع بالضحية لكى تطمئن على قدرتها على ذلك، ثم تتعمد توسيع الدائرة لكى يعلم عدد من الناس كم هى مرغوبة ومطلوبة وكم هى جذابة لدرجة تخرج الناس عن طورهم. كل النماذج السابقة تعتبر نماذج مرضية مضطربة، والتحرش لا يقتصر على تلك النماذج، بل يمكن أن يحدث من أشخاص عاديين فى ظروف تشجعهم على ذلك، وهذا ما نسميه «التحرش العَرَضى» أو «التحرش الموقفى»، بمعنى أنه سلوك عارض فى حياة الشخص أو سلوك ارتبط بموقف معين وليس بالضرورة أن يتكرر، على عكس التحرش المرضى الذى سبق أن فصلناه ففيه الفرصة للتكرار، لأن وراءه دوافع متجددة تدفع الشخص للتورط فيه من آن لآخر. وكون التحرش مدفوعاً باضطرابات مرضية لا يعفى صاحبه من المسئولية كما قد يظن البعض أو يتخوف، وإنما ربما يفسر لنا ما يحدث وينبهنا إلى إمكانية تكرار حدوثه، وربما فقط يخفف العقوبة فى بعض الظروف. 2 - المتحرَش بها: قد يكون التحرش بها عَرَضياً أو موقفياً، بمعنى أنه يحدث فى ظروف معينة وأنها لا تقوم بسلوكيات مقصودة أو غير مقصودة تدفع لتكرار التحرش. أما القابلية لحدوث التحرش وتكراره فتكون أكثر فى الشخصيات الهستيرية التى تقوم بالإغواء كما ذكرنا لتثبت لنفسها أولاً وللآخرين ثانياً أنها جذابة ومرغوبة، وهى لذلك تحرص على التشهير بمن تحرش بها على الرغم من أنها لعبت دوراً أساسياً فى حدوث التحرش، فهى جانية ومجنىٌّ عليها فى ذات الوقت، وهذه الشخصيات لديها تاريخ طويل فى تحرش الناس بها، فتحكى أن والدها قد تحرش بها وكذلك أخوها الأكبر وزميلها فى المدرسة ومدرسها الخصوصى والطبيب الذى يعالجها ورئيسها فى العمل، وكأن الرجال كلهم يتحرشون بها لفرط جمالها وجاذبيتها على الرغم من أن الشخصية الهستيرية تعانى فى داخلها من البرود العاطفى والجنسى، لذلك تحاول أن تعوض ذلك بسلوك إغوائى. وهناك الشخصية «السيكوباتية» التى تدفع الآخرين للتحرش بها بهدف ابتزازهم وتحقيق مصالح معينة من هذا الابتزاز، وقد يحدث هذا فى مجالات السياسة أو مجالات الجاسوسية أو فى وسط رجال الأعمال. أما الشخصية «الماسوشية» فهى تستمتع بالإهانة والإذلال والعنف الذى يمارسه المتحرش ضدها، فلديها إحساس عميق بالذنب والانحطاط وانعدام القيمة وأنها جديرة بالقهر والإذلال والامتهان، وهى تشعر بالراحة حين يُمارس ضدها أى عنف جنسى أو جسدى. 3 - الاحتياجات: وضع عالم النفس الشهير إبراهام ماسلو ما يسمى ب«هرم الاحتياجات»، فوضع فى قاعدته الاحتياجات الأساسية (أو البيولوجية)، وهى الطعام والشراب والمسكن والجنس، ويعلوها الاحتياج للأمن، ويعلوه الاحتياج للحب، ويعلوه الاحتياج للتقدير الاجتماعى، ويعلوه الاحتياج لتحقيق الذات، وتعلوه الاحتياجات الروحية. فإذا فقد الإنسان أحد هذه الاحتياجات أو بعضها أو أغلبها فإنه يسعى لإشباعها من نفس نوع الاحتياج إن وجد أو من احتياج آخر أعلى أو أدنى حسب ما يُتاح له، فمثلاً إذا فقد الإنسان الحب أو فقد التقدير الاجتماعى أو فقد القدرة على تحقيق ذاته أو فقد القدرة على التواصل الروحى - فإنه ربما يلجأ إلى التحرش أو الانغماس فى الجنس أو القمار أو المخدرات فى محاولة منه لسد فجوة الاحتياج المفقود. وقياساً على هذا نستطيع القول بأن الشباب الذين قاموا بالتحرش الجماعى فى وسط القاهرة كانوا يفتقدون ربما الإحساس بالكرامة أو الإحساس بالقيمة أو الإحساس بالحب أو الإحساس بالأمان. 4 - الدوافع والضوابط: يتميز الإنسان الطبيعى بحالة من التوازن بين الدوافع والضوابط، وهذا ما يجعله يتمكن من السيطرة على دوافعه بناءً على الاعتبارات الدينية والأخلاقية والاجتماعية. وضوابط الإنسان ليست كلها داخلية متمثلة فى الضمير الشخصى، ولكن هناك «الضابط الاجتماعى» المتمثل فى ضغط الأعراف والتقاليد، وهناك «الضابط القانونى» الذى يمثل نوعاً من الردع. الآثار النفسية للتحرش الجنسى: هناك آثار سريعة تظهر مباشرة أثناء حالة التحرش وتستمر بعدها لعدة أيام أو أسابيع، وتتلخص فى حالة من الخوف والقلق، وفقد الثقة بالذات وبالآخرين، وشعور بالغضب من الآخرين وأحياناً شعور بالذنب. والشعور بالذنب هنا يأتى من كون المرأة حين تتعرض للتحرش كثيراً ما تتوجه لنفسها باللوم وأحيانا الاتهام، ولسان حالها يقول لها: «ماذا فعلت لكى يفكر هذا الشخص فى التحرش بك؟». وهناك آثار تظهر على المدى الطويل، وتتمثل فيما نسميه ب«كرب ما بعد الصدمة»، وبخاصة إذا كان التحرش قد تم فى ظروف أحاطها قدر كبير من الخوف والتهديد للشرف أو للكرامة أو لحياة الضحية وسلامتها، وهنا تتكون ذاكرة مرضية تستدعى الحدث فى أحلام اليقظة أو فى المنام وكأنه يتكرر مرات كثيرة، كما يحدث اضطراب نفسى وفسيولوجى عند مواجهة أى شىء يذكر الضحية بالحدث، ويتم تفادى أى شىء له علاقة بالحدث، ويؤدى ذلك إلى حالة دائمة من الخوف والانكماش والتردد وسرعة التأثر، كما أن الضحية تفقد قدرتها على الاقتراب الآمن من رجل، وإذا تزوجت فإنها تخشى العلاقة الحميمة مع زوجها لأنها تثير لديها مشاعر متناقضة ومؤلمة.