حراك فكرى تمر به مصرنا العزيزة فى هذه الأيام، فبين مد وجزر يرتفع الشقاق حيناً وينحسر تارة أخرى، فلا يزال الصراع الفكرى قائما والصدام متكررا فى جميع مناحى الحياة، وهذا بسبب إصرار بعض الأطياف على مبادئها حتى إن كانت غير واقعية، فلقد لاحظت بعد انتخاب الرئيس محمد مرسى مقاومة شديدة وهجوما عنيفا من بعض جماعات تطلق على نفسها قوى سياسية، تندد وتطالب بإشاعة الفوضى فى المجتمع المصرى، وذلك لعدم التمييز بين مظاهرات وثورة قامت للإطاحة بنظام فاسد ولحقتها فعاليات ساندتها للحفاظ على ما اكتسبته ؛ وبين مظاهرات تخريبية يقوم بها بعض الأفراد الحاقدين على النظام الجديد. وإذا افترضنا حسن النوايا لبعض القوى الصاعدة فى المجتمع، فهذا لا يمنع من أن هناك من يعادى الثورة ويهاجمها ولا يريد تحقيق أهدافها، فهل من المعقول أن ُيحاصر الرئيس بمظاهرات تؤدى إلى الفوضى والتسيب لمجرد الخوف من المجهول؟! وهل أيضاً يجوز لنا أن نحاسبه على المستقبل قبل أن يولد فجره؟! لاشك أن فصائل المجتمع متعددة وحلقة الوصل والثقة بين بعضها مفقودة، ولكن الاتزان فى المواقف السياسية مطلوب خاصة أننا فى مرحلة اختبار للإرادة السياسية وسيادة القانون. لقد ضلت المعارضة الطريق، وسلكت طريق الإقصاء، وبدأت فى استخدام أدوات يرفضها العقلاء وشككت فى إرادة الشعب التى يجب أن تكون محل احترام وتقدير، وبخست حق الحزب الحاصل على الأغلبية أن يجلس على مقاليد الحكم لينفذ خطته ومشروعه، وأنكرت مبادئ الديمقراطية التى احتكمت السير عليها واتخذت الهجوم من أجل الهجوم شعاراً لها، وسعت إلى حشد مظاهرات مل الشعب تكرارها، برغم أنها تعلم أن مثل هذه المليونيات تؤثر سلباً على تدفق السياحة والاستثمارات إلى مصر، ولذا يجب على المعارضة أن ُتعيد النظر فى تقييم نفسها، وأن تعمل على ترشيد السلوك والعنف اللفظى لأبنائها، فكان من الأحرى بها أن تسلك طريق الموضوعية وأن تطلب ضمانات لضبط ممارسات الحاكم حتى لا تجعله يستأثر بالأمر والنهى ويستبد فى حكمه، بالإضافه إلى التلاحم مع الشارع ومناقشة قضاياه، وحينما تتقارب المعارضة مع الشارع، ستعلم أن الشعب يريد إعطاء من اختاره ديمقراطية كاملة، لا ديمقراطية تكون صنما يؤكل عند أهلها متى خالفت مرادهم، فلقد صار الشعب أكثر وعياً واهتماماً بالشأن العام وأكثر شجاعة فى التعبير عن رأيه، بل وقادرا على أن يقيّم أفعال الرئيس، بل ويستطيع تغييره فى حالة عمل أفعال تتنافى مع مبادئ الثورة التى أجلسته على مقعد الحكم. الحل المنشود هو السعى إلى التقريب وليس التفريق لإعادة الثقة المفقودة بين أطياف المجتمع، ويجب من الآن إعطاء كل فصيل فرصته واحتواؤه، بل والاستماع إلى أفكاره بحكمة، لكى نصل إلى نقاط الاتفاق، فالجميع يكره الظلم والديكتاتورية وينادى بالحرية والعدالة، ولذا آمل أن ينتهى هذا الصراع وأن تكون هناك مصالحة وطنية جادة بين كل الفصائل (الأغلبية والمعارضة)، حتى يتجنب الوطن الاحتقان والخسائر، وحتى تسير عملية التنمية ويتحقق لها الأمن والأمان المطلوب، فيا أبناء الوطن الواحد هذه مصركم تناديكم فكوا قيودى، فلم يعد من سبيل أمامنا جميعاً إلا أن نتكاتف وأن نجعل الهدف واحدا.